لم يصمد الإتفاق على اسم الوزير السابق محمد الصفدي لتولي ​رئاسة الحكومة​ سوى ساعات قليلة ليتضح من بعدها بأنها مناورة مدروسة من ​بيت الوسط​ أمام إصرار الوزير ​جبران باسيل​ على خيار الصفدي بعد أن تم رفض اسم القاضي نوّاف سلام الذي طرحه ​الحريري​ بعد تحفظات ومخاوف أبداها ​حزب الله​ . كذلك فقد سُحِب اسم الوزير العتيق بهيج طبّارة من التداول لأسباب غير مقنعة . وكان الحريري قد تراجع عن خيار وزيرة الداخلية ريّا الحسن لأسباب مجهولة ، مع أنها حظيت بموافقة مختلف الأطراف . وفي كل تلك المراحل تمسّك الحريري بشرطه الأوحد لترؤسه الحكومة المتمثّل بتشكيلة خالية من "دسم الأحزاب" حتى أثار امتعاض الرئيس برّي لعدم تعاونه بالرغم من كل التسهيلات والتطمينات التي منحتها له الثنائية الشيعية وفرملت اندفاعة ​رئاسة الجمهورية​ والتيّار الوطني الحرّ لناحية الخيارات الآحادية التي تستثني الحريري كشخص وكتيار من التشكيلة الحكومية المُزمعة . لكنّ السؤال المتكرّر المتجدد هو لماذا يرفض الحريري توّلي رئاسة الحكومة إلاّ ضمن شروطه التعجيزية القاضية بإخراج كلّ من ​التيار الوطني الحر​ و​حركة أمل​ وحزب الله وتيار المردة من التشكيلة تحت ذريعة حكومة التكنوقراط ؟ فهل هناك ڤيتو اميركي-سعودي على مشاركة حزب الله في الحكومة ويخشى الحريري من مواجهة ​عقوبات​ مصرفية إضافية تساهم في مفاقمة ​الأزمة​ الإقتصادية والنقدية ولا يريد تحمّل هذا الوزر ؟

فالحريري وخطاب "المستقبل "بشكل عام وعلى مدى الأزمة كان يشدّد على ان الشارع المنتفض سيرفض حكومة تشارك فيها الأحزاب ، ولكن ما الذي يجعله واثقاً ومتأكدا بأن الشارع سيقبل به رئيساً للوزراء وبصلاحيات استثنائية لولا علمه بأنّ زخم الحراك سيخبو عندما تنسحب ​القوات اللبنانية​ و​الحزب التقدمي الإشتراكي​ و​حزب الكتائب​ و​تيار المستقبل​ ومعظم الجمعيات والمنظمات من الشارع لتبقى مجموعات قليلة من ​الحزب الشيوعي​ واليساريين والمجتمع المدني ؟

فنحن أمام معادلة يصعب فهمها وفكّ طلاسمها ، فإذا كان الحريري يخشى ترؤس حكومة يتمثّل فيها حزب الله فكيف يمكنه تغطية حكومة يترأسها غيره و يشارك فيها الحزب ؟ ربما من هنا نفهم لماذا يتمسك ​الثنائي الشيعي​ وتحديدا حزب الله بالحريري رئيساً دون غيره وفي حسابات الحزب أن يكون والحريري على مركبٍ واحد لا يستطيع القفز منه متى يشاء . فحزب الله يتخوف من استدراجه إلى حكومة مواجهة يتنصّل منها الجميع عند أول استحقاق ناهيك من التوتر الشيعي-السني عند أول اختلاف .

أما اليوم ، وفي ​الساعات​ الأخيرة فقد أبدى الحريري موافقته على تولّي سمير الخطيب رئاسة الحكومة، والمفاوضات حالياً تدور على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب ، و​وزارة المال​ية تشكّل العقدة الأساسية التي يحاول الحريري انتزاعها من حركة أمل، فيما يعتبر الرئيس برّي أن ذلك تحدياً له ورداً على انتقاداته المتكررة له ، بالرغم من كون برّي بارك تسمية الخطيب بعد أن جاء الطرح من ​قصر بعبدا​ وهو يعمل حالياً على إقناع حليفه في الثنائية الشيعية الذي لا يزال مترددا ويفضّل الحريري . ومن المفترض، إذا تم حلّ هذه العقدة وحسم الحزب موقفه إيجاباً، أن يدعو ​رئيس الجمهورية​ للإستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة مطلع الأسبوع المقبل .

فهل طلب وضع وزارة المال في عهدة رئيس الحكومة المزمع هو أحد أشكال المناورة الحريرية ​الجديدة​ كي يتمّ إسقاط الخطيب من بورصة الأسماء الحكومية مع العلم اليقين ان الثنائي الشيعي لن يتخلّى عن وزراة المالية لأسباب يعتبرها ميثاقية ؟!