يتصرّف «حزب الله» منذ 17 تشرين الأول بعقل بارد، لكن بتوجّس كبير. الهواجس يربطها «حزب الله» بمسلّمة أنّ الانتفاضة مؤامرة مدروسة الهدف منها سلاح «الحزب»، وإخراجه من الحكومة، وتجريده من تركيبة سعى منذ عام 2005 لإرسائها، ونجح في المهمة مع انتخاب الرئيس ميشال عون وتشكيل الحكومتين الأولى والثانية التي أسقطها الشارع.

تقول مصادر سياسية مطلعة على أجواء «الحزب»، انّه يتمهل في استعمال الخيارات المتاحة، سواء في تشكيل الحكومة، أم في التعامل مع الانتفاضة الشعبية التي لم يخفِ توجّسه منها. وتشير المصادر الى مجموعة مسلمات تتحكم بموقف «حزب الله» أبرزها:

أولاً: يتخذ «الحزب» مواقفه من التطورات الداخلية، على وقع ما يجري في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة ال​ايران​ية ​السعودية​، والايرانية الاميركية. ففي الاولى يرى الحزب في الحوار الذي سيجري في عمان بين السعودية والحوثيين، حواراً بالواسطة بين ايران والسعودية، وهو الحوار الناتج من رغبة السعودية في التبريد بعد ضربة «ارامكو»، ويعتبر في الثانية أن الخيوط لم تنقطع بين ​الولايات المتحدة الاميركية​ وايران، على الرغم من فرض العقوبات المشدّدة، وهذه الخيوط تنطلق من وجود حاجة لدى ادارة ترامب للعب أوراق رئاسية تملك ​طهران​ عناصر قوة فيها، كملفي ​أفغانستان​ و​الخليج​ ككل، حيث باستطاعة ايران أن تكون ناخباً قوياً في هذه ​الانتخابات​ لصالح ترامب أو ضده، وهذه الأوراق ستستعمل في الوقت المناسب.

ثانياً: يتمهل «حزب الله» في حسم مسألة تشكيل الحكومة، فأولويته تنقسم الى ثلاث مراحل: الأولى ولها الأفضلية تتمثل في عودة الرئيس ​سعد الحريري​ الى ترؤس الحكومة على الرغم من إعلانه العزوف، والثانية تتمثل في مباركة الحريري لشخصية أخرى، والآن يجري البحث باسم ​سمير الخطيب​ الذي يرحب «حزب الله» باختياره، من دون أن يعطي موافقته عليه الى الآن. أمّا الثالثة، فتتمثل في اختيار شخصية سنية حليفة وتشكيل الحكومة وفق معادلة اللون الواحد، ولكل من هذه المراحل التوقيت الملائم، طالما وضع المنطقة لا يملي حرق المراحل.

ثالثاً: يدرك «حزب الله» أنّ تاريخ 17 تشرين أعاد خلط الاحجام والادوار، سواء بالنسبة الى حلفائه أم الى خصومه. فبالنسبة الى الحلفاء، لم تعد معادلة الرهان على حصان واحد قائمة، بعدما تعرض الرئيس ميشال عون، وبالتالي وزير الخارجية ​جبران باسيل​ للاستنزاف الشديد، الى حدّ فقدان القدرة على تأدية دور الحليف القوي، كما تعرض بعض حلفاء الحزب الى الاحتراق، اسوة بباسيل، لكن على الصعيد المسيحي بات واضحاً أنّه وفي مقابل هذا الاستنزاف، حافظ الوزير السابق ​سليمان فرنجية​ على موقعه، وهو مرشح لأن يؤدّي دوراً رئيسياً بعد انتهاء عهد الرئيس عون.

رابعاً: تشير المصادر الى أن تعامل «حزب الله» مع ​وليد جنبلاط​ يتسم بالتطبيع الآني، فمناطق الشوف وعاليه، خلت بشكل كبير من أي توتر، كما أنها لم تشارك كبيئة اشتراكية في قطع طريقي الجنوب والبقاع، وهذا كان نتيجة تنسيق بين الاشتراكي و»الحزب»، وفق قاعدة الابتعاد عن أيّ اصطدام مباشر، وفي المقابل لم يسجل أي تحرك مزعج لجنبلاط في الجبل من أنصار النائب ​طلال ارسلان​ و​وئام وهاب​، اللذين طلب منهما الحزب إبقاء الوضع في الجبل هادئاً.

أما عن التعامل مع «القوات اللبنانية»، فتشير المصادر الى أنّ خشية «حزب الله» من الدكتور سمير جعجع كبيرة، حيث يتهم في مجالس «الحزب» بأنه يريد السيطرة على المناطق المسيحية، وأنّ «القوات اللبنانية» موجودة على الارض، وهي تحرك ال​تظاهرات​، وتذهب الاتهامات الى حد القول إنّ «القوات» باتت جاهزة لكل الاحتمالات، كما تطال اتهامات «الحزب» الوزير السابق ​أشرف ريفي​، الذي يلعب مدعوماً من دولة عربية، (برأي الحزب) دوراً كبيراً في تظاهرات ​طرابلس​ و​الشمال​، وأنه أيضاً جاهز للتنسيق مع «القوات اللبنانية» متى استدعت الحاجة.