لا تبدو مقولة "اشتدي أزمة تنفرجي" تنطبق على واقع الحال اللبناني اليوم. لا يختلف إثنان ان الحراك الثوري الذي اندلع في 17 تشرين الأول الفائت، هو وليد ظلم وحرمان عاشه اللبنانيون منذ عقود الى أن قادهم اليأس الى الشارع. ولا يختلف إثنان أن السلطة الحاكمة لم تتوقع "ثورة تشرين"، فلو أحسّت بولادتها، لكان الوضع مختلفاً اليوم. فالمجتمع الدولي يأسف لعدم الوعي الإقتصادي في لبنان، هذا البلد الذي يذخر بطاقاتٍ لبنانية شابة في اميركا، كانت تنصح السلطات الحاكمة في بيروت عبر مقالات او مقابلات، للإنتباه من الإنهيار الإقتصادي. ويؤكد أحد الخبراء في عالم المصارف الأميركية، أنه نبّه مرجعاً سياسياً نافذاً الى الوضع الإقتصادي السيّء، فكان أن أجابه المرجع: ان الطير لا يقطع الغصن الذي يقف عليه، مشيراً الى حكمة حاكم ​البنك المركزي​، غير عالمٍ بأنه، يجهل لعبة المصارف وسياسات الدول النقدية الناجحة.

لا بد من استذكار مجموعة كبيرة من ​رجال الأعمال​ والمال، كانت تتهافت لحضور مؤتمرات ​الطاقة​ الإغترابيّة في اميركا، والتي كانت تنظمها ​وزارة الخارجية اللبنانية​، لم تدفع هذه المجموعة دولاراُ واحداً من أجل دعم هذه المؤتمرات، فما كان من ​بنك بيروت​ ورئيس ​جمعية المصارف​ سليم صفير الا ان يقوم بتمويل هذه المؤتمرات. وكان رجال الأعمال اللبنانيين يتسابقون لإلقاء نظريّات الإقتصاد الناجح، وكيفية ادارة البلدان المتقدّمة، وكيف سيدعمون لبنان للنهوض فيه ليواكب ​العالم​ المتطوّر. هؤلاء الفئة من الرأسماليين، تبخّروا مع أول هبوب عاصفة، بعد أن تربّعوا على المنابر لسنوات، ولم يستثمروا في لبنان ولو بشراء سيارة، وقد اختفوا اليوم في عزّ حاجة البلد اليهم... ولن نعلّق.

انهار الوضع الإجتماعي والإقتصادي، وتهافت المحبّون الذين وجدوا في الدولة المريضة، فرصة للإنقضاض على خيرات البلد. فالنفط المُكتشف حديثاً في لبنان، هو العقدة والحلّ في آن. ولو لم يكن، لانتهت الثورة في يوم واحد.

أصبح لبنان رهينة البلوك رقم 6 والبلوك رقم 9، والعقد المُبرم مع توتال والشركات الإيطالية، وأصبح المشهد السياسي الذي يُحاك في اروقة السلطة بعيداً كل البعد عن صرخات الشعب الثائر الذي ينادي بدولة قويّة، تؤمّن له العلم والطبابة والشيخوخة الكريمة. وما يظهر في الإعلام عن زيارات الموفدين من سفراء وأجهزة دول، لا تتحدث الا عن نصائح بالإستماع الى مطالب الشعب واللجوء الى الحوار مع تشكيل حكومة ثقة في أسرع وقت. لكن الواقع هو أن كل فريق دولي له مطالب مختلفة عن الآخر. وبحسب مصادر مطّلعة، طالب الأوروبيّون بتجميد مسألة سحب سلاح "​حزب الله​"، لأنّ معالجة هذا الموضوع ، يعتبر ضرب جنون في الوقت الراهن. وطالبوا بالتعاون في موضوع النفط، وأصبح معلوماً ان مصلحة الأوروبيين في موضوع الغاز والنفط، وسحب هذا الملف من الأميركان، يتناسب مع مصلحة الحزب، لتأتي مقولة: عدو عدوّي هو صديقي!.

وفي هذا السياق، وعدت فرنسا لبنان بمساعدة تبلغ قيمتها 3 مليار دولار، ليس فقط مساندة لمشروعها النفطي، إنما من خوفها على سقوط لبنان كما سقطت ​سوريا​ وليبيا، وراحت شعوبهما تتسابق عبر أمواج البحار لتصل أيّ شاطئ أوروبي آمن. هذا إذا وصلوا. فالخوف الفرنسي هو أيضاً خوف أوروبي، من هروب اللبنانيين عبر البحر الى اوروبا، كما حصل لأجدادهم إبّان الحرب الأولى، وهم لا زلوا يعيشون ذكريات ذويهم الأليمة. فلا عجب ان نرى إيطاليا او السويد او ألمانيا ترسل المساعدات الماديّة والغذائيّة، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، لأنّ هذه الطريقة توفّر عليهم استقبال المزيد من اللاجئين الللبنانيين ومعهم من النازحين السوريين و​الفلسطينيين​ المقيمين في لبنان.

في المقلب الآخر، وما بعد بعد الأطلسي، يعيش الأميركيّون أجمل فصل في ​السنة​. فالبارحة كان ​عيد الشكر​، وغداً تبدأ التحضيرات لعيدي الميلاد ورأس السنة. ومن يعتقد أن الأميركيين سيقطعون فرصتهم السنويّة من اجل حلّ مشكلة لبنان يكون واهماً. اميركا تريد النفط. قالها الرئيس الاميركي دونالد ترامب دون أي تردد. وهو لا يتردّد أيضاً في إلقاء المزيد من الضغط على اللبنانيين، كي يحصل على توقيعهم بإهدائهم له النفط والغاز، وفعلها بجدّية مع الجيش اللبناني، كنوع من الضغط ، وأوقف قراراً يقضي بتقديم المساعدة للجيش وقدرها 105 مليون دولار والتي كان أطلقها الكونغرس الأميركي وأقرّها بالإجماع.

الثورة من أجل جمهوريّة مدنيّة تشبه حلم اللبنانيين، تحوّلت الى صراع دولي على الغاز والنفط. فهل سيصمد اللبنانيون في وجه الطامعين ليستفيدوا وحدهم من خيرات وهبها الله لهم. أم ان الأزمة ستعيقهم حتى الإستسلام؟!.