في الوقت الذي يحبس فيه اللبنانيّون أنفاسهم، لمعرفة ما ستؤول إليه أوضاعهم الإقتصاديّة والماليّة في المُستقبل القريب والمُتوسّط، لا يزال ملفّا التكليف والتشكيل غير مُنجزين، في ظلّ تضارب كبير بالمَعلومات بشأن ما هو مُتوقّع بشأن الحُكومة المَوعودة. فما هي آخر المَعلومات المُتوفّرة بهذا الشأن:

أوّلاً: تتحدّث أوساط سياسيّة مُتفائلة عن تحديد مَواعيد حاسمة للبتّ في الملفّ الحُكومي، لجهة أنّ الإتجاه هو لتحديد موعد الإستشارات المُلزمة خلال هذا الأسبوع، على أن توضع مُباشرة بعدها عمليّة تشكيل الحُكومة على نار حامية، بحيث لا تستغرق عمليّة التشكيل بضعة أيّام فقط لا غير! لكن في مُقابل هذه الأجواء المُتفائلة، تتحدّث أوساط سياسيّة أخرى عن أنّ كل ما يُحكى عن بت سريع وخلال أيّام مَعدودة لمسألتي التكليف والتشكيل، ما هو إلا مُحاولة لإمتصاص الغضب الشعبي من التأخير المُتمادي في هذا السياق، والدليل-برأيها، المُطالبات والمُناشدات وحتى الضُغوط والحملات الرامية إلى إعادة تعويم حُكومة ​تصريف الأعمال​، لجهة ضرورة أن تتحمّل كامل مسؤوليّاتها، وأن تعمل على إدارة الأزمة، ما يدلّ على أنّ الأمور ما زالت عالقة، وأنّ الخروج من المَأزق الحُكومي ليس قريبًا!.

ثانيًا: تتحدّث أوساط سياسيّة مُتفائلة عن أنّ اللبنانيّين سيكتشفون قريبًا أنّ تأخير إعلان مَوعد الإستشارات المُلزمة، كان بهدف تأمين التوافق المُسبق ليس على الخُطوط العريضة للحُكومة المُقبلة فحسب، وإنما على الكثير من تفاصيلها، لجهة حجمها والتوازنات فيها، وُصولاً إلى توزيع الحقائب أيضًا! في المُقابل، تتحدّث أوساط سياسيّة أخرى عن أنّ ما يحدث من مُحاولات لتشكيل حُكومة خارج الخُطوات الدُستوريّة المُتتالية المُفترضة، يُشكّل تعدّيًا على صلاحيّات موقع رئيس الحُكومة، وهو بالتالي يُشكّل عاملاً خلافيًا إضافيًا من شأنه أن يُؤخّر عمليّة التشكيل، بدلاً من تسهيلها!.

ثالثًا: تتحدّث أوساط سياسيّة متفائلة عن أنّ إتصالات ​تشكيل الحكومة​ التي تتمّ بعيدًا عن الأضواء مع رجل الأعمال ​سمير الخطيب​ بلغت مرحلة مُتقدّمة جدًا، بحيث أنّه جرى التوافق على مسألتين أساسيّتين معه: الأولى أنّ الحُكومة ستكون تكنو-سياسيّة، والثانية أنّها ستكون من 24 وزيرًا. وبحسب الأوساط نفسها، إنّ البحث دخل خلال الساعات القليلة الماضية، مرحلة تحديد عدد الوزراء السياسيّين، مع ميل لأن يكونوا ستة وزراء، وعدد الوزراء الإختصاصيّين الذين ستتمّ تسميتهم من قبل القوى الحزبيّة التي تملك الأغلبيّة النيابيّة، وأولئك الذين ستتمّ تسميتهم بالتنسيق مع مجموعات "الحراك" التي ستوافق على المُشاركة في الحُكم! في المُقابل، تُشكّك أوساط سياسيّة أخرى، بإمكان أن ينجح هذا "السيناريو"، إلا إذا كان الفريق المَعني به سيُمرّره بأسلوب التحدّي، وعبر التعويل على الأغلبيّة النيابيّة، وبالتالي من دون أيّ توافق داخلي. ورأت هذه الأوساط أنّه لو كان رئيس "تيّار المُستقبل" مُستعدّ لتأمين الغطاء السياسي والغطاء المَعنوي، لهكذا حُكومة، لكان ترأسها بنفسه، مُشيرة إلى أنّ الحريري لا يعمل على عرقلة مُحاولات تشكيل الحُكومة، ويترك بالتالي للإتصالات أن تأخذ مداها، لكنّه لم يُوافق إطلاقًا على ما يتردّد من صيغ حُكوميّة في الإعلام.

رابعًا: تتحدّث أوساط سياسيّة مُتفائلة عن أنّ مرحلة السماح التي أعطيت لرئيس الحُكومة المُستقيل إنتهت، وأنّ الأمور ذاهبة إلى الحسم خلال أيّام قليلة، من ضُمن خيارات أخرى، أكان وافق الحريري على تأمين الغطاء لها أم لم يُوافق، وعن أنّ مَسألة تمثّل "​حزب الله​" في الحُكومة، ومعه "​حركة أمل​" و"التيّار الوطني الحُر" غير قابلة للنقاش، شأنها شأن إحتفاظ هذه القوى بالوزارات السياديّة وحتى ببعض الوزارات الخدماتية الأساسيّة. في المُقابل، أكّدت أوساط أخرى أنّ موقع الحريري لا يزال مَحفوظًا في أي تركيبة حُكوميّة، أكان يرغب بالتمثّل فيها شخصيًا، أو بشكل غير مُباشر عبر تأمين الغطاء لشخصيّة سنيّة أخرى لرئاسة الحُكومة، وأنّ كلمة "تيّار المُستقبل" مَسموعة، وله القُدرة على التمسّك بوزارات وعلى رفض أي توزيع للوزارات لا يُوافق عليه، ما يعني أنّ الأمور لا تزال عالقة، وبالتالي ولادة الحُكومة المُقبلة غير قريبة، خاصة في ظلّ إستمرار التباعد الكبير بين مواقف "المُستقبل" من جهة، ومواقف باقي الأفرقاء الرئيسيّين المَعنيّين بعمليّة تشكل الحُكومة، من جهة أخرى، من دون التطرّق إلى التدخّلات والعقبات الخارجيّة.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ المَعلومات المُتوفّرة حتى الساعة، مُتضاربة وضبابيّة، والأيّام القليلة المُقبلة كفيلة بتحديد ما إذا كان ما يُحكى عن تقدّم كبير على خط تشكيل الحُكومة، خارج الإجراءات الدُستوريّة المُعتادة، قد تحقّق، أم أنّنا لا نزال ندور في الحلقة المُفرغة نفسها. والأخطر ممّا سبق، هو أن تأتي الحُكومة، في حال جرى تشكيلها قريبًا، شبيهة في جوهرها بالحُكومة الحاليّة – ولوّ بدت غير ذلك في الشكل. فالمُهمّ ليس ولادة الحُكومة بحدّ ذاته، بل تهدئة الشارع، وإستعادة الثقة، وإعادة إطلاق دورة الحياة الإقتصاديّة والماليّة الطبيعيّة. وما يتردّد إعلاميًا عن تقاسم للحُصص الوزاريّة، وعن تمسّك بهذه الوزارة أو تلك، من قبل هذا الفريق أو ذاك، لا يدعو للتفاؤل بأنّنا على أبواب تغيير في ذهنيّة الحُكم التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من مآسٍ!.