لم تسترح القوى السياسية في الساعات الماضية، فبقيت منشغلة بلقاءات وإتصالات تدور حول شكل وجوهر الحكومة العتيدة. حمل الإسم المطروح لتولي مهمة التكليف ​سمير الخطيب​ رسائل بين القوى السياسية، تتضمن أسئلة وأجوبة، على خطّين: بيت الوسط-الرابية، وبيت الوسط-"​الثنائي الشيعي​"، رغم ان إجتماعاً عُقد بين رئيس الحكومة المستقيل ​سعد الحريري​ ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ ليل الاحد في بيت الوسط، بوجود رجل أعمال يساهم في تقريب وجهات النظر بين الفريقين.

وإذا كانت المؤشرات توحي تارة بالإيجابية، وتارة أخرى بالمراوحة السلبية التي تسندها لعبة الشارع عبر قطع الطرق، فإن أجواء رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ تؤكد أن البلد لا يتحمّل تداعيات تلك المراوحة، لأن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية لم تعد تحتمل التأخير. بينما كانت أجواء رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ تنتقد عدم تحمّل حكومة تصريف الأعمال مسؤولية إدارة الأزمة اللبنانية، وكأنّ الحريري يتقصّد عدم المعالجة لتحقيق المزيد من الضغوط على عون وبري و"​حزب الله​" من أجل فرض شروطه الحكومية.

وعلى هذا الاساس، يصرّ رئيس الجمهورية على وجوب الإقدام بالتكليف لتأليف حكومة جديدة، ما فسّره المراقبون بأن "الرئيس عون يفضّل حكومة أكثريّة، على الفراغ الحكومي، في حال بقي الحريري يرفض التجاوب مع الطروحات". ومن هنا أعيد إسم النائب ​فؤاد مخزومي​ الى واجهة الكواليس السياسية، "كشخصية قادرة على قيادة حكومة إنقاذيّة، تضمّ كفاءات تستطيع إعادة الإستقرار السياسي والإقتصادي والمعيشي". ويعتبر المندفعون الى خيار مخزومي، "بأن النائب البيروتي يحظى بدعم شعبي ناله في صناديق الإقتراع في عاصمة لبنان، التي تُعتبر ركيزة في تحديد زعامات السنّة"، ولا يحبّذ سياسيون ان يكون رئيس حكومة لبنان من خارج إحدى المدن الثلاث: بيروت، طرابلس، وصيدا. وهي معايير تنطبق على مخزومي، الذي "لم ينغمس في لعبة السلطة اللبنانية، ولا تشوب اعماله اي شائبة في البلد، ولم يكن جزءاً من محاصصات لا إقتصادية ولا تجارية، لأن أعماله تتركزّ خارج لبنان". كما ان النائب البيروتي المذكور شخصية إقتصادية ناجحة تربطها علاقات قوية مع عواصم عربية ودولية، تفيد في رفد لبنان بدعم سياسي ومالي مطلوب.

فهل يتقدّم إسم مخزومي في الساعات المقبلة؟ لا يبدو أن أوراقه قابلة للحرق، بعكس غيره، لأنه أعلن وترجم منذ إنطلاق الحراك أنه جزء من "ثورة الناس"، وهذا يعزز من إمكانية دعم المتظاهرين لخيار تسمية مخزومي كرئيس للحكومة الجديدة. ولكن المراقبين يقولون أن طرح إسم نائب بيروت "سيستفز الحريري وتكتل رؤساء الحكومات السابقين، ولا سيما ​تمام سلام​ الذي يرصد تقدّم مخزومي في بيروت كمنافس مباشر له، و​نجيب ميقاتي​ الذي لا يهضم تمدّد نائب بيروت بسرعة". وهم جميعهم لا يريدون اسماً جديداً يدخل الى نادي رؤساء الحكومات، وعلى هذا الاساس يتمسكون بالحريري لقيادة المرحلة الحالية، بينما ينحاز "الثنائي الشيعي" لتسمية رئيس تيار "المستقبل" مجدّداً على قاعدة عدم وجوب خروج الحريري من قارب السلطة والتفرّج على غرقه.

لا يبدو أن أي توجه سياسي في التسمية والتأليف، سيحسم أمر الحكومة العتيدة، قبل الوصول الى مرحلة نيل الثقة النيابية، خصوصاً أن المرحلة تتطلّب ايضاً ثقة شعبية بالجسم الوزاري الجديد، كي لا يكون البلد أمام إحتجاجات جديدة تُبقي لبنان في دائرة أزمة الشارع. ولذلك يعتقد مطّلعون أن علامات الاستفهام التي يرسمها الشارع الآن لا بدّ من أخذها بعين الإعتبار، ليتظهّر التباين بين رأيين: الأول لرئيس الجمهورية الذي يستعجل بت ملف التأليف رأفة بوضع لبنان، بغض النظر عن شخص رئيس الحكومة، وهنا يبرز إسم مخزومي كخيار مطروح جدّياً، والثاني للثنائي الشيعي الذي يفضّل أن يوافق الحريري على الإسم، كحال سمير الخطيب، لتجنّب لعبة الشارع التي سيغذّيها تيار "المستقبل"وحزبا "القوات" و"التقدمي الإشتراكي"، وتجد حينها بيئة شعبية حاضنة تحت عنوان الأزمة المعيشية.

بالإنتظار، سيكون الاسبوع الجاري حاسماً، مهما يكن توجه الكتل النيابية. فالمهم كسر الجمود الحكومي.