اشار رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في رسالة مفتوحة ل​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ الى "اننا على متن سفينةٍ تغرق، وال​لبنان​يون يعيشون معاناة يومية في ظل تعطّل مؤسّساتهم ​الدستور​ية وعدم تحديدكم حتى الساعة موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة المقبلة، وفي الحقيقة، لقد كنت مقتنعاً حتى قبل انتخابكم - أنّ مواجهة "​منظومة​ ​المحاصصة​ والتجارة السياسية" التي تديرها الطبقة السياسية الممسكة بالقرار، لا يمكن أن تتمّ إلا من خلال معارضةٍ حازمةٍ انخرطتُ فيها بدون تنازلات. ولذلك اتخذنا قرار الاستقالة من حكومة ​تمام سلام​ ورفضنا التسوية التي أوصلتكم إلى سدّة ​رئاسة الجمهورية​"، مضيفا: "حضرة الرئيس،هل تذكرون تحذيراتي المتكرّرة؟ هل تذكرون كيف كان أركان التسوية يصفون تصريحاتي بالغوغائية؟

في الشكل، اعتبرت الأحزاب التي شكلت رأس حربة وصولكم الى رئاسة الجمهورية أن ​الانتخابات النيابية​ الأخيرة منحت منظومتها السياسية "شرعيةً جديدةً"، وأن الناخبين منحوها غطاءً سياسياً غير قابل للشك، أما في الواقع، فإن الناخبين لم يمنحوا هذه المنظومة الانتهازية "شرعيةً جديدةً"، بل "فرصةً أخيرة" لتغيير الإداء، والسير في الإصلاح، والعمل بما يخدم المصلحة العامة ولكن مع الأسف، لم يتمّ اغتنام هذه الفرصة".

وراى الجميل انه "بعد ثلاث سنوات من عدم مبالاة أحزاب التسوية بالكارثة القائمة، لم تستعد السفينة مسارها الصحيح بل على العكس من ذلك، فقد ساهمت المنظومة الحاكمة في تفاقم الوضع، وتسريع الانهيار"، معتبرا انه "قد يكون عهدكم حقق عن غير قصد إنجازاَ عظيماَ نراه جميعاَ من خلال انتفاضة اللبنانيين التي اتسمت بوحدتها، وحزمها، وعدالتها، وإبداعها، وسلميتها، وحكمتها"، مضيفا:"ثار المواطنون بقوةٍ وإصرارٍ ضدّ المنظومة التي تدمر بلادهم، وتودي باللبنانيين إلى كارثةٍ اجتماعية واقتصاديةٍ وإلى البطالة و​الفقر​"، مشيرا الى ان "سياسات المنظومة المحتضرة دفعت بلبنان إلى تصدّر قائمة التصنيفات ​العالم​ية لسوء الإدارة والحوكمة، إن لم يكن أسوأ من ذلك، وكسبت انتفاضة الشعب برقيّها احترام العالم أجمع".

وشدد على ان "التأخير في الدعوة إلى ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، وعدم تكليف رئيس للحكومة قبل ضمان أنّ يلبّي التأليف مصالح منظومة الأحزاب التي سبق أن أثبتت عدم فاعليتها وسوء إدارتها، لا يعدّ تجاوزاً للدستور فحسب، وإنما هو يسهم في زيادة التعطيل، وفي استمرار نظام المحاصصة الذي يدينه الجميع والذي قادنا إلى الهاوية".

وتابع الجميل في رسالته:"حضرة الرئيس، لقد أثبتت حكومتا العهد السابقتان عدم قدرتهما على إدارة شؤون البلاد وتجنيب لبنان ​الأزمة​ الحالية، بل على العكس تماماً وبإقرار الأحزاب المشاركة في هاتين الحكومتين، فإنهما كانتا معطلتين بفعل التجاذبات والمصالح الضيقة وسوء الحوكمة. ولذلك، فإن تشكيل ​الحكومة​ ​الجديدة​ وفقاً للمنطق الذي ساد في الحكومتين السابقتين مخالف كلياً للمنطق وستكون له نتائج كارثية"، مشيرا الى ان "ما يطلبه المواطنين، وهم على حق في هو تسمية رئيس للحكومة وفقاً للقواعد الدستورية المرعية، يليه تشكيل حكومة تتألّف حصراً من اختصاصيين مستقلّين عن الأحزاب، كلّ الأحزاب، وأن يكون همّ هذه الحكومة الأول والأخير إنقاذ لبنان"، مؤكدا انه "عندما يتم الإشارة الى أخصائيين مستقلين فهذا يعني الابتعاد عن منطق المحاصصة والأسماء المستعارة وتسمية كل حزب من أحزاب المنظومة عدد من الوزراء ظاهرهم أخصائيين وواقعهم ممثلي أحزاب المنظومة".

وشدد على أنّ "التأخير وما يواكبه من مفاوضات تدور في الخفاء، أفرغا الاستشارات النيابية من هدفها، فهي عندما ستنطلق سيكون كلّ شيء قد تقرّر مسبقاً خلافاَ للمسار الدستوري. فهل يعقل أن تتحول دعوة النواب إلى الاستشارات النيابية الملزمة عندما تتم، دعوة لهم الى المشاركة في مسرحية بائسةٍ للمصادقة على النتائج التي تكون المفاوضات الدائرة حالياً قد توصلت اليها؟"، متسائلا:"أوَلم تلاحظوا أنّ المفاوضات التي تجري الآن تخظاها الزمن والتطورات؟ لقد رسمت ​الانتفاضة​ خطاً فاصلاً بين الرؤية الحديثة التي يطالب بها المواطنون ويتطلعون اليها من جهة، والمناورات والتسويات التي شكلت أسلوب العمل الوحيد الذي اعتمدته المنظومة الحالية من جهةٍ أخرى".

وراى ان "التذرع ، بحجة أنه ينبغي للحكومة العتيدة أن تحظى بثقة المواطنين وبثقة أركان التسوية في ​مجلس النواب​، لعدم إجراء هذه الاستشارات بعد، وعدم الاستجابة لمطالب الشعب وعدم التقيّد بأحكام الدستور، تشكل اعترافاً صريحاً وخطيراً بأنّ مصالح مجلس النواب تختلف عن مصالح الشعب وعن المصلحة العامة؟ فهل يعقل، في ظل مثل هذه "الحجة"، وفي ظل الإقرار باختلاف المصالح بين مجلس النواب والشعب، ألاّ تتم الدعوة الى انتخاباتٍ جديدة مبكرة؟.

واكد الجميل ان "الطلاق وقع اليوم بين رؤيتين للبنان، ولا يسعني إلا أن أبدي أسفي للإصرار على وضع الرؤية القديمة المحتضرة على جهاز التنفّس الاصطناعي، والوقت يداهمنا، وبلدنا ينهار أمام أعيننا، والمواطنون يتجرّعون مرارة المعاناة. ولا بدّ من تأليف حكومةٍ من اختصاصيين مستقلّين قادرين على إرساء حوكمة رشيدةٍ، وعلى مكافحة الفساد ومواجهة الأزمة واعادة لبنان الى الخريطة العربية والدولية. كما يجب الاسراع في الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة تسمح باعادة انبثاق السلطة وفقا لارادة اللبنانيين".

وختم الجميل رسالته للرئيس عون بالقول:"الخيار أمامكم: إمّا أن تلتزموا، ولو متأخّرين، بخدمة الرؤية الجديدة للبنان التي قرّر ​اللبنانيون​ بناءها اليوم، أو أن تتركوا مصالح المنظومة المتحكمة باللبنانيين تودي بعهدكم وبلبنان إلى غياهب التاريخ".