تصاعدت وتيرة اخبار عمليّات ​الانتحار​ التي يقوم بها مواطنون ​لبنان​يون في الآونة الاخيرة، بسبب الاوضع الاقتصاديّة الصعبة التي يشهدها لبنان، والتي تركت الكثيرين في ضائقة ماليّة خانقة، وجدوا انفسهم عاجزين عن تحمّلها، فقرروا وضع حدّ لحياتهم. ليس في الامر سابقة، فعلى مرّ التاريخ كانت اسباب الانتحار، ولا تزال، كثيرة وتعود الى نفسيّة الشخص ووصوله الى نقطة "اللاعودة" إنْ بسبب مشاكل ماليّة واقتصاديّة او بسبب مشاكل عاطفيّة او بسبب "التنمّر" او تفادياً لفضائح سياسية او جنسية او غيرها من الامور... وفي الحالات التي نتحدث عنها في لبنان، فإن متابعين لحالات الانتخار اكدوا انه لم تحصل اي زيادة في اعداد المنتحرين، ولكن الانتشار الواسع لهذه الاخبار اعطاها وهجاً اضافياً.

من المستحسن الاضاءة على هذه الآفّة التي تقضي على حياة الناس، ومن الأهم معالجة اسبابها، اياً تكن، لتفادي وقوع خسائر بشريّة لان قيمة ​الانسان​ تبقى غالية بالنسبة الى محبيه وبيئته ومجتمعه. ولكن كل هذه الاسباب لا تسمح لاحد ان يحمّل طفلة عمرها ست سنوات واجهت صدمة خسارة والدها، مسؤوليّة وفاته وكأنّه صدر حكم بحقها بكونها مذنبة لانها تجرأت وطلبت مبلغ الف ليرة من والدها. لا يا سادة، ليس طلب هذه الطفلة هو من أدّى الى وفاة والدها، فهمومه الماليّة هي التي ادّت به الى اتخاذ القرار، وتراكم الديون وعدم قدرته على ايفائها كانا الطريق الذي سار عليه لانهاء حياته، وبغض النظر عن صوابيّة او خطأ تحميل الدولة مسؤوليّة هذه الحادثة المؤسفة، الا انه لا يمكن في ايّ ظرف من الظروف التفكير ب​القضاء​ على حياة طفلة لم تخرج بعد من صدمة خسارة والدها، عبر تحميلها عبء وفاته. ان استدرار العطف والمواساة يأتي حكماً بعد وفاة اي شخص، وهو ليس بحاجة الى استغلال براءة الاطفال. هل فكّر هؤلاء كيف ستكون حياة هذه الطفلة عندما تتأثر بما يقال حولها عن ان طلبها هو الذي ادّى الى مقتل والدها؟ هل توقف احد للحظة وسأل عما ستكون عليه حياتها ومن سيخلّصها من كوابيس الذنب الذي ألقيَ عليها جزافاً وكيف ستتعايش مع هذا الوضع؟ ألم يكتفِ هؤلاء الاغبياء بوفاة ناجي الفليطي، وهل يريدون التسبب بانهاء الامل والطموح وزرع اليأس والقنوط في حياة طفلته؟ ايّ موجة شرّيرة ركبها هؤلاء، والى اين يريدون ان تنتهي بهم؟.

الم يتبصّر هؤلاء بأن مبلغ الف ليرة لبنانية يمكن تأمينه في ايّ وقت مهما كانت الظروف صعبة، ولا يمكن لأحد ان يصدّق انّ هذا المبلغ هو السبب الذي يدفع شخصاً الى الانتحار، بل تراكم المشاكل والصعوبات؟. هل بات على كل طفل انْ يفكّر مرتين او اكثر اذا ما اراد ان يطلب الف ليرة من اهله، والا قد يكون السبب في خسارتهم؟.

ابنة ناجي الفليطي ليست المسؤولة عن مقتله، شاء من شاء وأبى من أبى، واليها اتوجه واقول: قد تسمعين هذه الصرخة وقد ينقلها اليك احد، انما لست انت من قتل والدك، بل كل من يعمد الى استغلال براءتك وصدقك وعفويتك، ومن المؤسف الا تسمعي اصواتاً عالية تنادي بهذا الامر، ولكن هذا لا يعني ان الخطأ بات صواباً وان الحق تحوّل الى ظلم. انت البريئة وهم المذنبون، انت الملاك وهم الشياطين، انت الامل وهم اليأس، انت المتألمة وهم مصاصو الدماء.

من المؤسف ان يركب الناس، وبعض وسائل اعلام، موجة تحمل الاذية الى طفل، ويبقى الامل في القدرة على احتضان ابنة الراحل (لم نرد ذكر اسمها، مع انه معروف، احتراماً لها وتحسساً منا بالمسؤولية تجاهها) لتتخطّى مرحلة صعبة من حياتها، واكمال مسيرتها دون عقدة او خوف او ذنب.