قبل ساعات من موعد ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، حان وقت الفصل بين الحراك الحقيقي الذي يعبر عن مطالب معظم اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية، وذلك المزيف الذي يسعى منذ اليوم الأول إلى ركوب الموجة من أجل تحسين أوراق قوته في لعبة المفاوضات القائمة على أكثر من صعيد.

ضمن هذا السياق، بات من الضروري السؤال عن بعض الدعوات المشبوهة، التي تطرح على ​وسائل التواصل الاجتماعي​، كتلك التي تدعو إلى رمي المسامير أو المازوت على الطرقات، أو التي تطلب من المواطنين إحراق أنفسهم أو ارتداء أحزمة ناسفة، بحال كان من المطلوب عدم صبغ كل الدعوات إلى ​قطع الطرق​ بالطابع المشبوه أصلاً.

في الساعات الماضية، كانت أغلب المجموعات الفاعلة في ​الحراك الشعبي​ تؤكد أنها ليست من دعاة قطع الطرق على النواب لمنع حصول الاستشارات النيابية، نظراً إلى أن الأخيرة كانت أحد أبرز مطالبها، منذ اليوم الأول لإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ عن استقالته، في المقابل كان هناك من يدعو إلى قطع تلك الطرق لمنع حصولها، لأنه يريد أن يستغل الظاهرة من أجل تحسين أوراق قوته.

في الحالتين، الحراك الحقيقي والآخر المزيف لديهما قناعة بأن الاسم المطروح ل​رئاسة الحكومة​ المقبلة، مدير عام شركة "خطيب وعلمي" ​سمير الخطيب​، غير مقبول أو ليس على قدر الطموحات، لكن الأول ينطلق من رغبة لديه في وضع مختلف الكتل النيابية أمام مسؤولياتها، وبالتالي السعي إلى إسقاط التسوية المطروحة لاحقاً أو دفع الكتل النيابية إلى تبديل موقفها وتبني خيار آخر، بينما الثاني، المدعوم من قوى سياسية فاعلة، يريد أن يفرض شروطاً جديدة، يخجل من طرحها بشكل مباشر أو غير قادر على الحصول عليها دون استغلال مطالب المواطنين المحقة.

هذا الواقع، كان طاغياً منذ الأيام الأولى لبدء التحركات الشعبية في الشارع، لكنه مع الأيام بدأ يتظهر بشكل أوضح، وبات من الضروري التعامل معه على هذا الأساس، خصوصاً أن الحراك الحقيقي أصبح يدرك جيداً خطورة الخلط بين المطالب المحقة والأهداف المشبوهة التي لدى البعض، وهو ما يُفسر المواقف من عمليات قطع الطرق التي كانت تحصل، بالتزامن مع أي تقدم في المفاوضات على المستوى الحكومي.

وفي حين هذا التوجه يبدو أكثر وضوحاً اليوم، لا سيما أن الموقف من الدعوات المشبوهة بات معلناً قبل الانطلاق إلى تنفيذ ما هو مخطط عملياً، قد يكون من الضروري أن تتحرك ​الأجهزة الأمنية​ لمواجهة المجموعات أو الأفراد الذين يتولون التحريض على الانتقال من التحركات السلمية إلى تلك غير السلمية، التي لا تصيب إلا المواطنين الآخرين، فمن الذي سيكون ضحية رمي المسامير أو المازوت على الطرقات؟ وما الفائدة من دعوة المواطنين إلى احراق أنفسهم أو ارتداء أحزمة ناسفة؟ ولماذا لا يبادر من يطالب غيره بإحراق نفسه إلى القيام بمثل هذه الخطوة طالما هو مقتنع بها؟.

لم يعد أحد بقادر على انكار دقة المرحلة التي يمر بها لبنان، لكن المطلوب من الجميع السعي إلى البحث عن أفضل السبل للخروج من الأزمة الراهنة، من خلال فتح أفق أمام مستقبل أفضل، بعيداً عن الغوغائية التي يسعى إليها البعض، أو جمع المزيد من أوراق القوة من قبل قوى وجهات سياسية معروفة، لأن من خرج إلى الشارع كان يبحث عن تحسين ظروف معيشته وأوضاعه الاقتصادية، عبر محاسبة الفاسدين والسارقين والإصلاح في الدولة لا عبر الذهاب إلى الفوضى القاتلة أو استخدامه ورقة سياسية من قبل فريق بوجه آخر.

في المحصلة، ستكون المسؤولية كبيرة في الساعات المقبلة على عاتق الحراك الحقيقي، لتعرية ذلك المزيّف الذي يسعى إلى استغلال مطالب المواطنين المحقة، وكذلك الأمر على عاتق الأجهزة الأمنية، التي عليها منع إلحاق الضرر بالمواطنين وملاحقة من يحرض على العنف أو يريد دفع الآخرين إلى الموت.