قبل ساعات قليلة على اجراء ​الاستشارات النيابية​ الملزمة التي كان حددها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ اليوم اذا حصلت ولم تتأجّل، برز موقف تولّى المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة المستقيل ​سعد الحريري​ توزيعه على وسائل الاعلام ومفاده انه اجرى سلسلة اتصالات برؤساء وزعماء دول شقيقة وصديقة طالباً منهم "مساعدة لبنان على تأمين اعتمادات للاستيراد من هذه الدول بما سيؤمّن استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأوليّة للانتاج لمختلف القطاعات".

اختلفت النظرة الى هذه الرسائل، فمنهم من رأى فيها انها عبارة عن "اندفاع صادق" من الحريري وتحسساً منه للوضع الذي وصل اليه لبنان ومنعاً لايّ "كوارث" محتملة، وهو بذلك أراد ان يتفادى مشاكل اكبر بكثير من تلك التي نعيشها اليوم. في المقابل، هناك من رأى فيها رسالة اراد رئيس الحكومة المستقيل توجيهها، بمفهوم سياسي محض، وتتوزع على شقّين: الشق الاول داخلي والثاني خارجي. في الشق الداخلي، اشار هؤلاء الى ان مضمون الرسالة حمل معه ما يشبه "رغبة مكبوتة" في التمسك ب​رئاسة الحكومة​، وان أيّاسم آخر لن يكون بإمكانه ملء الشغور الذي تركه الحريري، حتى ولو اعلن عن دعمه له على غرار ​سمير الخطيب​، وبالتالي فإن اي اسم لن يكون بمقدوره التأثير على الدول بالمقدار نفسه الذي يتركه تأثير ابن رفيق الحريري. اضافة الىذلك، فإنّ الحديث الصادر عن رئيس حكومة تقوم بتصريف الاعمال، عن الخوف من استمرارية الامن الغذائي والمواد الاوليّة للانتاج، زاد من مقدار الهلع لدى الناس في وقت يجب العمل على تهدئة الوضع، ليس عبر الكذب او إخفاء الحقيقة عنهم، بل بالعمل على تجنّبها بأكبر قدر من الصمت حتى تحقيق النتائج المرجوّة، وبعدها يمكن الحديث بالتفصيل عن الخطوات والمواقف التي اتّخذت في سبيل انقاذ الوطن والمواطنين.

باختصار، رسالة الداخل كانت تهدف، وفق نظرة بعض الاشخاص، الى افهام اللبنانيين ان السراي لا تليق سوى بشخص واحد، ولو انّه اعلن عدم رغبته في تولّي المسؤوليّة ولكنه قادر على انقاذ البلد.

في المقابل، اعتبر المراقبون انفسهم انّ الرسالة الى الخارج مفادها انه من المهم اعادة النظر بموقفهم من التعامل مع أي شخص او اي حكومة لا يرأسها الحريري، وهذا الكلام اتى خصوصاً بعد موقف ​السفير الروسي​ في بيروت ​الكسندر زاسبكين​ الذي قال ان "اسم رئيس الوزراء ليس مهمّا ونحن في البداية كنا نؤيد الحريري، ولكن مستعدون للعمل مع اي شخص آخر والاهم هو برنامج الحكومة". هذه الكلمات كان لها تأثير سلبي وقاس على رئيس الحكومة المستقيل الذي حاول على ما يبدو تدارك الامر من خلال رسائله التي كانت اشبه باستغاثة مفادها ان من غير المناسب التخلّي عنه في الوقت الراهن، وانه قادر على التواصل مع الجميع والابقاء على المسافة المطلوبة لارضاء الكلّ في لبنان، وان شبكة الصداقات والاتصالات التي يملكها لا تزال صالحة لفترة اطول بكثير مما قد يبدأ شخص آخر في التخطيط له والعمل عليه.

من المبكر فعلاً الحديث عن اتضاح الصورة الضبابيّة في لبنان، ولكن خطوة الاستشارات هي المعبر الالزامي الذي يضع الاسس الصحيحة لاستشراف المرحلة المقبلة التي تنتظر لبنان، والنتيجة التي ستصدر بعد نهاية هذا اليوم التي قد تفضي الى التكليف لن تكون بالضرورة المرحلة الاخيرة قبل التشكيل، ولكنها ستكون حتماً الخطوة الاولى نحو معرفة وجهة البلد، فإما الى المزيد من التعقيد واما العمل على امداد انابيب الاوكسجين للخروج من غرفة العناية الفائقة. وفي الحالتين، ماذا سيكون دور الحريري في المعادلة المقبلة؟.