ثمَّة قنابل مُسيِّلة للدُّموع ولكن من نوعٍ آخر... وهي ما أَلقته ​حكومة سعد الحريري​ في وجه "الثُّوَّار"، من خلال "الورقة الإِصلاحيَّة" الأَخيرة، وعنيتُ بها "إِلغاء وزارة الإِعلام"... فقد ورد في "الورقة" المُشار إليها: "... المُوافقة على إِلغاء وزارة الإِعلام، وتكليف الجهات المعنيَّة إِعداد النُّصوص اللاَّزمة لذلك، في مهلةٍ أَقصاها 30/11/2019، مع حفظ حقوق المُوظَّفين وفق القوانين والأَنظمة المرعيَّة الإِجراء"...

للوهلة الأُولى يظنُّ المرء أَنَّ ​الحكومة​ قد قطعت الطَّريق على "مغارة علي بابا والأَربعين لصًّا"، فيما هيقرَّرت إِلغاء واحدةٍ من الوزارات الأَقلَّ رصدًا للمُوازنة العامَّة السَّنويَّة، وهي –إِلى ذلك- تتحضَّر في العام 2020، لوداع نحو 20 مُتعاقدًا، يبلغون السِّنَّ القانونيَّة، وسيقبضون تعويض نهاية خدمةٍ من "الضَّمان الاجتماعيِّ"، فيما هم يُغذُّون "تعاونيَّة موظَّفي الدَّولة" من رواتبهم الشَّهريَّة المُقتطعة، ومن دون حقِّ الحصول على راتبٍ شهريٍّ تقاعديٍّ...

ومع التَّذكير بأَنَّ اجتماعًا –ولو يتيمًا– لم يُعقَد لإِعداد النُّصوص اللاَّزمة لإِلغاء الوزارة، وقد حلَّ 30 تشرين الثَّاني، ويكاد يطير العامُ 2019 بأَسره، فيما القُنبلة الحُكوميَّة المُسيِّلة للدُّموع، تحجب الرُّؤية في وزارةٍ، كان يُفتَرض أَنْ تكون حَجَر الزَّاوية في العمل على تعميم ثقافة الحوار والتَّواصل، فإِذا بالبنَّائِين الحُكوميِّين يرمون ذاك الحَجَر، حتَّى بات السُّؤَال الآتي مشروعًا: هل الهدف مِن إِلغاء وزارة الإِعلام، التَّعمية عن مكامن الإِهدار في غيرها من الوزارات،والَّتي حتَّى قُبيل ​الانتخابات​ النِّيابيَّة الأَخيرة كانت "تستقطب" المَزيد من المُوظَّفين الجُدد؟...

وإِذا كانت الحجَّة لإِلغاء الوزارة، أَنَّ"في الدُّول المُتقدِّمة لا وزارات إِعلامٍ، فأَين نحن في ​لبنان​، من الدُّول المُتحضِّرة؟، وقد سمع الجميع اللُّغة المُفعمة بالحضارة السَّائدة في "شوارع الثَّورة" عندنا، على امتداد الوطن، ومن دون أَن ننسى لغة التَّخوين وإِصدار الأَحكام مِن دون أَدلَّةٍ على الطَّقم السِّياسيِّ بأَكمله (كلُّن يعني كلُّن)...

إِنَّ بَعْض الإِعلام عندنا، يتسلَّح بـ"حريَّة إِعْلاميَّة" ويتناسى في المُقابل "المسؤوليَّة الإِعْلاميَّة" كما والوطنيَّة، المُلْقاة على عاتِقه... والصِّحافةتغيَّرتمنحَيْثدلالتها، وسط أَشْكالٍ جديدةٍمع بروز دور "صِحافةالإِنْترنِت" و "تكنولوجيَّات الاتِّصال الحَديثة"، ما أَسَّس فِعْلاً لتَغْييرٍ جَديدٍ في مَفْهوم مِهْنة الصِّحافَة ودَوْر الصِّحافيِّ على حدٍّ سَواء. وأَمَّا حكومتنا، العاجزة عن اللَّحاق بركب التَّطوُّر الإِعلاميِّ، كما وعاجزة عن تطوير الإِعلام الرَّسميِّ، فهربت إِلى الأَمام، كما فعل بعض مُكوِّنات الحكومة في عدم تحمُّل المسؤوليَّة عن طريق الاستقالة، ما جعل وزارة الإِعلام تدفع الفاتورة، وتُضحي "كبش المحرقة" أَمام "الثُّوَّار"!...

لقد طَغَت السَّلْبيَّة على الخِطاب الإِعْلاميِّ، لأَسْبابٍ تَعود إِلى التَّوْظيف والاسْتِغلال، ما تَسبَّب بآثارٍ سلبيَّةٍفي فِكْر شباب اليوم، فبَاتوا يَتَّسِمون بالتَّشاؤميَّة، الأَنانيَّة، عدم الثِّقة وضُعْف الرُّوح الوَطنيَّة... وهذا ما عبَّروا عنه في ساحات الاعتصام، في ظلِّ غِيابِ الكَثير مِن عَوامِل تَهْدِئة الوَضْع، ونَدْرة الدَّعوات إِلى "التَّكاتُف والتَّكافُل والتَّعاون"، وتَرْسيخ أُسُس الأَمان المُجْتمعيِّ وروح المُواطَنة الحقَّة، وفي غيابٍ شبه كُليٍّلدَوْر الإِعْلام الرَّسْميِّ كما الخاصِّ، في تَوْظيف خِطابه في الدَّعْوة إِلى التَّكاتُف والانْسجام، وعَدمإِشاعة السَّلْبيَّات في شَكْلٍ واسعٍ بَيْن النَّاس، والإِغْفال عن الإِيْجابيَّات الواضحة للعَيان... وقد كان الحريُّ بالحكومة، الاتِّجاه إِلى دعم الإِعلام الرَّسميِّ كعنصرٍ مُعزِّزٍ للسِّلم الأَهليِّ وعدم شحن النُّفوس والعصبيَّات...ومن ثمَّ فالحكومة، وفي اتِّجاهها إِلى إِلغاء وزارة الإِعلام، قد سلَّفت الثُّوَّار من كيسهم، إِذ إِنَّ الموظَّفين في "الوكالة الوطنيَّة للإِعلام" كما وفي "إِذاعة لبنان"، ستتمُّ المحافظة عليهموفق آليَّةٍ يُزعَمُ حكوميًّا أَنَّها ستصدر، إِيذانًا بعرضها على المجلس النِّيابيِّ. وأَمَّا في الأَقسام الإِداريَّة التَّابعة لوزارة الإِعلام، فسيتمُّ نقل الموظَّفين فيها إِلى وزاراتٍ أُخرى.

وفي مُوازاة ذلك، فقد ذهب إِعْلامُنا الخاصُّ بعيدًا في الانْغِماس في "النَّموذَج التَّسْويقيِّ التِّجاريِّ، خِدْمةً للمَصالح الذَّاتيَّةِ، وأَحْيانًا للأَيْديولوجيَّة الفِكْريَّة، من دون أَخْذ النَّسيج المُجْتَمعيِّ في الاعْتِبار، والتَّحلِّي بالمَسْؤوليَّة تِجاه الوطن... ومِن هُنا يُمكن فَهم سَبب نَشْر مُحْتَوياتٍ إِعْلاميَّةٍ تُضرُّ بِصُورة الوَطن داخليًّا وخارجيًّا، إِذ إِنَّ الكَثير من الوَسائل الإِعْلاميَّة، يَنْتهج أُسْلوب البَحْث عن الإِثارة،لرَفْع نِسب المُشاهَدة، وزِيادة حَجْم المَبيعات، فإذا بِنا وقد دَخلْنا نَفقًا مُظلِمًا، لا نَلْمحُ فيه إِلاَّ السَّواد الحالِك، وقد باتَت حَياة اللُّبْنانيِّين تَقْتصر على أَخْبار الجَريمة والسَّرقة والاعْتِداء، والمَشاريع المُتأَخِّرة والبَطالة وأَزْمة السَّكن… فيما المَطْلوبُ اليَوْم إِعْلامٌ لا يَقِف عند عَتَبة "النَّق"، بل يُحْسن قَوْل الحَقيقة كَما هي، ومَهْما كانَت صَعْبة، ليُصارَ إِلى الإِصلاح.

إِنَّنا في لبنان، نحتاج إِلى المزيد من الثَّقافة السِّياسيَّة، والعودة إِلى القيم الوطنيَّة والمزايا الخلقيَّة والنَّقد البنَّاء، بدلاً من الاسترسال في الغوغائيَّة المُطلقة... ولا شكَّ أَنَّ الحكومة اللُّبنانيَّة جادَّةٌ في تأْكيدها "حفظ حُقوق المُوظَّفين وفق القوانين والأَنظمة المرعيَّة الإِجراء"... غير أَنَّ الحقوق المعنويَّة "المكسورة"، لا يمكن الحصول عليها، بعدما بات قرار إِلغاء الوزارة يوحي لـ"الثُّوَّار" كما ولعامَّة النَّاس، أَنَّ موظَّفي وزارة الإِعلام هم ناهبو هذه الدَّولة ومقوِّضو إِنجازاتها الماليَّة ومبعثروها!... علَّ"الثُّوَّار" إِذا ما استلموا السّلطة يومًا، يُعيدون الاعتبار إِلى جنود وزارة الإِعلام المجهولين!.