لم يكن رئيس الحكومة المستقيل ​سعد الحريري​ يريد أحداً غيره لتولي مهمة تأليف الحكومة. لكنه كان يطرح شروطاً تحت عنوان حكومة أخصائيين أو تكنوقراط، وصفتها قوى "8 آذار" والتيار "الوطني الحر" بأنها تعجيزية وغير واقعية، لجهة إبعاد القوى السياسية عن الحكومة، مما يعني إقصاء تلك القوى عن إدارة البلد وإبطال مفعول الإنتخابات. فإعتُبر المشروع بأنه "إمّا يحاكي إرشادات خارجية لإبعاد ​حزب الله​ عن الحكومة، وإمّا هو رضوخ لفكرة ضرب الأحزاب والتيارات التي فازت في الإنتخابات النيابية". عندها تُصاب الأحزاب في صميم وجودها كقوى سياسية، عندما تتخلّى عن وظيفتها ودورها ومشروعها. لذلك، لم تقبل تلك القوى بآراء الحراك و لا بطروحات الحريري.

عندما تحدثت القوى عن بدلاء من رئيس تيار "المستقبل" وافق الأخير من دون أي إعتراض، لكنه أحرق أوراق المرشحين واحداً تلو الآخر، وآخرهم ​سمير الخطيب​ الذي كاد ان يسمّى رئيساً مكلّفاً تأليف الحكومة. تختلف قصة الخطيب عمّن سبقه: كان كلّ شيء يوحي بأن الحريري إلتزم سياسياً بترشيح الرجل. وكعادته مع مختلف الذين تمّ طرحُهم قبل الخطيب، أبلغ رئيس الحكومة ابن بلدة مزبود الخروبيّة بأنه سيمدّه بالدعم السياسي واللوجستي ويقدّم له فريق عمله لمؤازرته في إدارة مجلس الوزراء. وثق الخطيب بالكلام في ​بيت الوسط​، فأجرى لقاءات وإتصالات مع القوى الأساسية. وحين جاءه السؤال: لماذا لا يُقدِم الحريري على دعمك ببيان أو عبر ضمانة خطية؟ ردّ الخطيب: أثق به وهو يريدني رئيساً للحكومة.

إعتقدت قوى "8 آذار" أن الامور تتجه نحو الإنفراج، لكن لم يُعرف الى أيّ مدى كان التشكيك بصدقية الحريري في التزامه بتبنّي تسمية الخطيب لتأليف الحكومة.

جرى الإتفاق بين "الخليلين" والمرشح الخطيب حول التزامات: لا مسّ بموضوع ​المقاومة​، ولا السيادة وخصوصا في ملف ​ترسيم الحدود​ الجنوبية، ولا سلبية في مقاربة العلاقة مع ​سوريا​. كما حصل الإتفاق أيضاً في مسائل مهمة، وتمحور حول: تأليف حكومة تكنو-سياسية. تبقى وزارة المالية من حصة حركة "أمل". لا صلاحيات استثنائية للحكومة العتيدة. لا إنتخابات نيابية مبكرة من دون إقرار قانون إنتخابي جديد على أساس ​لبنان​ دائرة انتخابية واحدة وفق ​النسبية​.

أجرى الخطيب الإتفاق، بعلم الحريري، لكن رئيس الحكومة المستقيل الذي كان سمّى الخطيب لم يُلزم أنصاره ولا القريبين منه بعدم مشاكسة طريق الخطيب نحو ​السراي الحكومي​، لدرجة قيل فيها أن الحريري يناور، وهو ينفّذ خطة مدروسة قائمة على أساس معادلة: "سعد لا يريد الا سعد"، إلى ان جاءت زيارة الخطيب لدار الفتوى تُترجم تلك المعادلة، فتمّ تنفيذ سيناريو حرق ورقة المرشح الجدّي. وتكرّر السؤال: من التالي؟ لن يتجرأ أحد. لذلك حان دور الحريري ليقول: أنا جاهز. هو عبّر عن الرغبة بشكل غير مباشر، لكن مطّلعين يقولون ان رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ "لا يحبّذ اعادة تكليف الحريري"، بسبب مجريات الاستقالة وما تبعها من حرق أوراق المطروحين. علماً أن "الثنائي الشيعي" يريد عودته الى رئاسة الحكومة. ويضيف مطّلعون للنشرة أن "الحريري يقبل بحكومة تكنو-سياسية، لكن يرفع سقف خطابه الآن، متمسكاً بحكومة اخصائيين لغايات تفاوضية، وهو أمر لا يقبله رئيس الجمهورية".

وأمام هذا الواقع، تُصبح أجواء التكليف عالقة عند رأيين: الحريري على رأس حكومة تكنو-سياسية، أو حكومة أكثرية مستبعدة حتى الساعة لإعتبارات إقتصادية وخارجية. لم يعد بالإمكان ان تطلّ شخصية قابلة لحرق أوراقها، رغم وجود النائب فؤاد مخزومي، غير القابل للحرق ولا للغرق في وحول الطائفية او الحسابات المذهبية. لكن قوى "8 آذار" تريد الحريري رئيساً للحكومة لا رئيس حزب "الحوار الوطني". وهذا ما جعل الحريري يرفع من شروطه بالتزامن مع ضغوط الشارع التي تحصل عبر ​قطع الطرقات​ التي ينفّذها أنصار رئيس الحكومة المستقيل في البقاع والشمال.

غابت الاتصالات الجدية في الساعات الماضية، ما عدا اجتماعات "بيت الوسط" التي لم تقدّم جديداً عملانياً، سوى إشارات ضمنية من الحريري بالقبول بحكومة تكنو-سياسية. رغم توزيع بيت الوسط لأنباء وأخبار نقلاً عن مصادر، لا تنسجم مع الواقع، بقدر ما هي جزء من عملية رفع الخطاب السياسي.