تتطاير الرسائل "العفوية" في كل مكان، من ​قطع الطرقات​ عند كل استحقاق سياسي، أو تقدّم إيجابي في مفاوضات ​تشكيل الحكومة​، الى منزل النائب ​فيصل كرامي​ و​بلدية الميناء​ في ​طرابلس​، مرورا ب​عين التينة​، وصولا الى منزل النائب العام الإستئنافي في جبل ​لبنان​ القاضية ​غادة عون​.

لم يكن الشارع يوماً موحداً حول مطالب واضحة، فتعدد الشوارع جعل المطالب متعدّدة، حتى قطع الطرقات الذي انطلق لأجل ثورة صادقة، تحوّل بقسم كبير منه الى رسائل سيّاسية، فبتنا نستدلّ على "مزاج" رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​ من خلال تحركات جمهوره في مناطق نفوذهم من ​البقاع​ الى ​بيروت​، مع الإشارة الى أنّ هذا الجمهور لم يتوقّف بعد عن عمليّة قطع الطرق، ويبدو بحسب الظاهر أن هناك من استأنس بهذه الطريقة في إرسال الرسائل ووجدها فعّالة في الاستحقاق الذي يمرّ به لبنان حاليا، حتى أن سرعة الأحداث، وأحيانا "الصدفة" بات لها دورها الكبير في تغطية هذه الرسائل وشرعنتها، كالأمر الذي حصل أمام بلدية الميناء تحديدا.

ليست كل عملية ​قطع طريق​ هي مشبوهة الأهداف، وهذا أمر لا بد من التأكيد عليه، ولكن بعضها بات كذلك، والأمر نفسه ينطبق على كل الأحداث، اذ يتم العبور من نشاطات "الحراك" الى مرحلة الرسائل المقصودة. البداية من طرابلس حيث تبدو الصورة واضحة، فالمدينة تشهد احداثا شبه يومية، آخرها كان ما حصل في بلدية الميناء، ولكن لنتطرق قليلا الى ما حصل أمام منزل فيصل كرامي.

يقولون أنّ المجموعات بطرابلس جالت على منازل السياسيين في المدينة قبل وصولهم الى منزل كرامي، ولكن هل كان هو ضمن نادي رؤساء الحكومات السابقين؟ وهل هو من نادي الوزراء الذين تعاقبوا على وزارات خدماتيّة؟ وماذا عن تزامن الإشكالات امام منزله مع تعليقه على تبنّي ​دار الفتوى​ للحريري كممثل للطائفة السنية؟!.

لا تتوقف الأمور عند كرامي، اذ لعلّ ما حصل أمام بلديّة الميناء اوضح بكثير، ولمن لا يعلم فإنّ رئيس بلدية الميناء عبدالقادرعلمالدين كان قد انتصر منذ أيام قليلة جدا بمعركة قاسية مع تيارات سياسية طرابلسية فاعلة دامت لأربعة أشهر ونيّف، تمكّن عبرها من ترؤس إتحاد بلديات الفيحاء، وهو الأمر الذي يحصل للمرة الأولى منذ 37 عاماً، حيث جرى العرف أن يترأس الإتحاد رئيس ​بلدية طرابلس​، فكان الردّ سريعا على علم الدين بتكسير ​البلدية​ ومهاجمة رئيسها ودعوته للاستقالة، مع العلم أنّ الاعتراض عليه بدأ منذ أيام سبقت إنهيار المنزل، وتحديدا عندما بدأ موظفو بلدية طرابلس باتخاذ إجراءات بوجه بلدية الميناء.

لا تتوقف الرسائل هنا، بل كان للقاضية عون نصيبها، فكانت ​تظاهرة​ اعتراضيّة أمام منزلها مساء الثلاثاء، مع العلم أن رائحة صدور الادّعاء بملفّ النافعة كانت قد فاحت الثلاثاء صباحا، ما يوحي وكأنّ الحرب التي جرت سابقا بوجه عون لن تتوقّف وكلّما فتحت ملفات إضافيّة كلّما زادت الضغوطات عليها.

ليس دفاعا عن أحد إنما توضيحا للصورة، الحراك الصادق المحقّ يضيع في زواريب اللاهثين خلف استغلال آلام الناس لأهداف خاصة سيّاسية.