مجددا يُبدع حاملو شعار "العبور الى ​الدولة​" منذ العام 2005 الى اليوم، بضرب الدولة، بعد أن أبدعوا منذ العام 1992 حتى العام 2005 بفسادها. نائب يمثّل الأمة كشّر عن أنيابه بوجه قاضية تحاول رغم كل الملاحظات حول محاولاتها، ضرب "الفساد"، فضرب بذلك محاولات ​القضاء​ ككلّ عرض الحائط. نعم نفس الحائط الذي يمنع ملاحقة الفاسدين، مرّة لأسباب طائفيّة ومذهبيّة، ومرة لأسباب عائليّة وشخصيّة، ومرّة لأسباب قانونيّة كالحصانات والامتيازات.

دخل "النائب" في كتلة "المستقبل" النيابيّة ​هادي حبيش​ الى ​قصر العدل​ في ​بعبدا​ وأهان القاضية ​غادة عون​ في مكتبها، اتهمّها بأبشع الاتّهامات وهدّدها وتوّعدها بالانتقام، وفعل ذلك على مرأى كاميرات الهواتف النقّالة، وكان فخورا بوجودها. أعادنا المشهد الى زمن الميليشيات، فيومها كان ​القضاة​، وخصوصا من امتهن النزاهة منهم، مشروع شهداء، لا يوجد من يقدّم لهم الحماية، ولكن نحن أمام زمن يمكن فيه التغيير.

تحرّك حبيش في قصر العدل سبقه محاولة لملمة قضية توقيف هدى سلّوم بـ"التي هي احسن"، فزار مدعي عام التمييز القاضي ​غسان عويدات​ طالبا منه التدخل وكسر اشارة القاضية عون بتوقيف سلّوم كونه رئيسها، ولكن عويدات رفض وطلب من حبيش مراجعة القاضية عون كونها المطلعة على الملف، فحصل ما حصل.

تذرّع حبيش خلال اعتدائه على القاضية عون بأنها لا تملك الإذن لملاحقة مدير عام، ولكن غاب عن بال "النائب"، المؤيد بالمناسبة، الى جانب رئيس تياره ​سعد الحريري​ للحراك بالشارع، أن الحصانات تسقط عند الملاحقة بتهم الإثراء غير المشروع، فالمادة الثامنة من قانون الإثراء غير المشروع تنصّ على انه "في دعاوى الإثراء غير المشروع، وخلافاً لكل نص، لا تحول دون الملاحقة الجزائية الأذونات أو التراخيص المسبقة الملحوظة في القوانين مع مراعاة أحكام ​الدستور​".

ما قام به حبيش يطرح أكثر من سؤال، فلماذا قام بما قام به، فجعل نفسه بمكان "المتهم"، المُرتَعِب والخائف على تمدّد التحقيقات إليه، ولماذا أظهر هذا الكمّ الهائل من التوتر؟، وكيف يسمح لنفسه وهو المحامي ورجل القانون قبل أن يكون "نائبا" أن يُهين القضاء بهذا الشكل الفاضح، فالقضيّة لا تتعلق بإسم قاضٍ ولا مدعي عام، بل تتعلق بكامل الجسم القضائي، وماذا لو أقدمت القاضية عون على تنفيذ القانون وطلبت اعتقاله خلال اعتدائه وتهجّمه عليها في مكتبها؟.

بعد توقيف المديرة العامة، خرج "مناصروها" الى الشارع لقطعه ليلا، هكذا أخرج الإعلام الخبر، ولكن هل هناك من لا يعلم أن هؤلاء الذين أشعلوا الإطارات وقطعوا الطرق ليسوا مناصرين لسلّوم، بل يمكن أنهم لا يعرفونها، بل هم من مناصري تيار سياسي اعلن رئيسه استقالته من ​الحكومة​ تلبية للشارع.

على مشارف العام 2020، القضاء، الحراك، ​تيار المستقبل​ و​رئاسة الجمهورية​ أمام امتحان، فالأول مطالب بتنفيذ القانون بحذافيره بعد طلب القاضية عون ملاحقة النائب، والثاني مطالب بدعم القضاء والقضاة لا مضايقتهم أمام منازلهم، والثالث عليه تحمّل مسؤولية العضو فيه، والرابع مدعو لتنفيذ وعده بأنه سقف القضاة ومرجعهم في وقت الصعاب.

قد يكون النائب حبيش تشجّع للقيام بما قام به، من دون التفكير بالتداعيات أو إمكانية التعرض للمحاسبة، إنطلاقاً من تجربته في عضوية المجلس الأعلى ل​محاكمة الرؤساء والوزراء​ لمدة 13 عاماً، لم يحل فيها إلى المجلس أيّ وزير أو رئيس، لا بل هو نفسه يعتبر، في أحد تصاريحه الإعلاميّة، بأنّ معركة ​محاربة الفساد​ لن تصل إلى نتيجة، في حال لم ترفع الحصانات ولم يعدل قانون المجلس المذكور.