كان حاسماً قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ في كلمته أمام القادة العسكريين في 17 تشرين الثاني الفائت: "حرية التنقل مقدّسة في المواثيق الدوليّة وسنمنع أيّ شخص من إقفال الطريق وسنفتحها".

هكذا كان أمر قائد الجيش قبل ​عيد الاستقلال​، وهو خطة طريق بدأها منذ ذلك الحين بمنع أي شخص من إقفال الطرق والأوتوسترادات، بل أكثر من ذلك عمل على حماية كل شخص أراد التعبير عن رأيه في الساحات بعيداً عن أذية الناس وقطع الطريق عليهم.

اليوم، وبعد أسابيع على هذا القرار، يستمرّ بعض قطّاع الطرق برغبتهم بالضغط على المواطنين. هذا ما شهدناه يوم أمس على اوتوستراد ​جل الديب​، حين قرّر هؤلاء اقفال الطريق صباحاً، في ساعة الذروة، دون أن يهتمّوا لتعب الناس وعذاباتهم بسبب الوضع الحالي الذي يضغط على الجميع، مع العلم أن خطوة كهذه لا تضرّ "السلطة" بل الناس، ومن يقول غير ذلك فليحاول إقناع ال​لبنان​يين.

يبرّر هؤلاء خطوتهم بأنه للضغط على السلطة السّياسية، وانها الحلّ الوحيد للضغط على السياسيين، ولكن أيّها "ثوّار"، ألم تشعروا أن هذه الخطوة تستنزف المواطن أكثر من السياسيين؟ ألم تشعروا أنكم بتّم عبئاً حتى على الحراك في باقي المناطق الذي يكرّر في كل مناسبة رفضه ل​قطع الطرقات​؟ ألم يشعر هؤلاء أن القوى الأمنيّة استُنزفت منذ بداية الأزمة الحاليّة وأيّ تحرّك في الشارع هو ضغط إضافي على العناصر؟.

إذا، لم يعد معروفاً ماذا يريد هؤلاء الذين يقفلون الطريق. إن كنّا إيجابيين بحقهم، سنقول عنهم بأنهم لبنانيون أرادوا التعبير عن رأيهم بطريقة خاطئة. لكن هذه الإيجابيّة بدأت تتلاشى تلقائياً بعد تكرار عدد من المشاهد على طرقات لبنان.

ولا ينتهي الموضوع عند هذا الحدّ، بل المشكلة مع ما ينتشر في الساعات التي تتبع عمليات فتح الطرقات أمام المواطنين العالقين في سياراتهم. أمس، انتشر منذ ​فتح طريق​ جل الديب، مقاطع فيديو لعناصر ​الجيش اللبناني​ وهم يفتحونها امام المواطنين العالقين بسياراتهم، بعد أن أقدم عشرات الأشخاص على اقفالها.

مباشرة، صار الجيش عدواً للثوار -الذين لا يمثّلون الحراك- في الشارع، وبات هو المضطهد والمعتدي على المواطنين بعد أن دافع عن كل ساحات الاعتصام في لبنان، لا بل أكثر من ذلك، يذهب بعض قطّاع الطرق الى اتّهام الجيش بالعنف مع فئة طائفيّة دون أخرى، ومنطقة دون غيرها، علماً انه وبإعتراف قطّاع الطرق فإنّ مجموعات من كل المناطق تساندهم في عمليّاتهم.

أمس ظهرت مطالبات بحماية أمميّة للمتظاهرين من الجيش اللبناني، وتلاها دعوات الى المنظّمات الدوليّة لحماية المتظاهرين "السلميين". نعم، هناك من يطلب من ​المجتمع الدولي​ الحماية، نفسه المجتمع الدولي الذي يمارس كل أنواع الضغوط الاقتصاديّة على الشعوب للهيمنة عليها، ونفسه من تصبح الدول الصغيرة كلبنان ساحة صراع له ولنفوذه، ونعم المنظمات الدوليّة نفسها التي تسعى لتمكين وإبقاء ​النازحين​ واللاجئين في مكان نزوحهم ولجوئهم.

هذا ما أرادوا تصويره. الجيش اللبناني معتدياً على 50 شخصاً، مع غياب تام للحقيقة القائلة بأنّ الجيش يعمل على فتح الطرقات لآلاف المواطنين العالقين في الشارع. لماذا لم ينشر أحد المقطع المصوّر الذي سبق الإشكال وفتح الطريق، وفيه ضابط في الجيش اللبناني يتوسّل مواطنة للوقوف الى جانب الطريق وفتحها، بمقابل إصرارها على استمرار ما تقوم به؟ من أعطاها الحق للتصدّي للجيش؟!.

هؤلاء هم دكتاتوريو "الثورة". هؤلاء هم من باتوا يريدون فرض آرائهم ورغباتهم على باقي المواطنين بحجة "السلميّة والحريّة" وهم أبعد ما يمكن عن هذه الحرية. هؤلاء هم من يصفون الجيش بالمعتدي لأنّه أراد فتح الطريق على المواطنين.