طغت في الساعات الماضية الدعوات للإنتقال إلى نوع جديد من التحركات الشعبية، يمكن أن يطلق عليه اسم "العصيان الضريبي"، أيّ توقف المواطن عن دفع المتوجبات الماليّة، الأمر الذي سيكون له نتائج قاسية في حال نجاحه.

في هذا السياق، بات من الضروري التمييز بين التحرّكات التي تحصل على مستوى ​الحراك الشعبي​، لا سيما بين تلك التي يقوم بها المتظاهرون أمام الإدارات والمؤسسات العامة، وتلك التي تقوم على قطع الطرقات وإذلال المواطنين في سياراتهم، فالأولى أثبتت نجاحها في تصويب المطالب الإقتصاديّة والإجتماعيّة نحو البوصلة الصحيحة، بينما الثانية أثبتت نجاحها في توجيه الرسائل السياسية، لا سيما بعد أن بات من الواضح أن بعض القوى السياسية هي من تتولى إدارتها بشكل شبه كامل.

على هذا الصعيد، لا تتردد مصادر متابعة في التأكيد، عبر "النشرة"، أن هذه الخطوة في حال تنفيذها ستكون هي الأقوى والأقسى منذ بداية التحركات الشعبيّة في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، نظراً إلى أنها تعني بأن المبالغ المالية القليلة التي تدخل إلى الخزينة العامة ستنقطع أو تقلّ أكثر في الفترة المقبلة، خصوصاً أن المواطنين اليوم لا يحتاجون إلى إعلان "العصيان" للتوقّف عن التسديد، فهم أصلاً بأغلبهم لا يملكون الأموال لدفع ما عليهم.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ الرسوم التي يدفعها المواطنون بشكل مباشر: فواتير الهاتف والكهرباء والماء، ميكانيك السيارات، الرسوم البلدية، هي المورد لخزينة الدولة، في حين أن باقي الموارد هي شبه متوقفة أصلاً، كعائدات ​مرفأ بيروت​ والرسوم على الإستيراد والتصدير عبر ​مطار بيروت الدولي​، والتصريحات الضريبيّة والضريبة على القيمة المضافة، وتوضح أن الخزينة تتغذّى بشكل أساسي اليوم من ​قطاع الإتصالات​، والأمر نفسه ينطبق على ​مؤسسة الكهرباء​ التي تحولت إلى مؤسّسة خاسرة، وبالتالي التوقف عن دفع الفواتير سيكون له نتائج قاسية جداً، لا سيما أن أغلب ​المصارف​ المحليّة والجهات الدولية لا توافق، في المرحلة الراهنة، على الإستثمار في سندات الخزينة.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن البلاد تمر بمرحلة زيادة في العجز، بسبب تراجع النمو والدخل، مقابل ضغوطات إقتصاديّة دوليّة وتصنيفات ماليّة منخفضة تواكب هذه الضغوط، بينما الدولة تكافح لتأمين رواتب الموظفين في القطاع العام بشكل شهري، وبالتالي تراجع الواردات بشكل أكبر يعني الدخول في مرحلة أخطر، لا أحد يعرف حجم تداعياتها على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، لكنها تشدّد على على أن هذه الخطوة هي من أساليب الإعتراض الشعبي التي لا يمكن القول انها غير سلميّة.

حول هذا الموضوع، يوضح الخبير الاقتصادي ​زياد نصر​ الدين، في حديث لـ"النشرة"، أن العصيان المدني هو أمر مخالف للقانون، مشيراً إلى أن المطلوب عملياً هو الحفاظ على الدولة والإنطلاق نحو الإصلاح، مؤكداً أن مثل هذه الخطوة قد يترتّب عليها مشاكل إضافيّة، نظراً إلى أن القسم الأكبر من عائدات الدولة يُصرف على الرواتب و​الأجور​، وبالتالي من الممكن أن تلحق بالضرر بهذه الفئة الكبيرة.

ويلفت نصر الدين إلى أن ​الأزمة​ الحقيقية هي في هيكلية ​الضرائب​ القائمة منذ العام 1992، حيث أن هناك ضرائب غير مفيدة، في حين أن الدولة من المفترض أن تستخدمها من أجل تأمين التوزيع العائد لها بين مختلف شرائح المجتمع، الأمر الذي لا تقوم به من الناحية الفعلية.

في المحصلة، هو تحول جديد على مستوى التحركات الشعبية، سيكون له نتائج كبيرة في حال النجاح في تنفيذه، تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول التداعيات التي ستترتّب عليه، في ظل التراجع المستمر في واردات الدولة اللبنانية.