على ضوء المستجدات على المستوى الحكومي، أطل أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، بعد شهر من خطابه الأخير، ليحسم موقف الحزب قبل يومين من موعد الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، لا سيما بعد الموقف الذي صدر عن ​دار الفتوى​، لناحية تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة المقبلة، والموقف الأخير لحليف الحزب الإستراتيجي رئيس "​التيار الوطني الحر​" ​جبران باسيل​، الذي قرر الذهاب إلى المعارضة.

المدخل الأساسي لموقف أمين عام الحزب كان الدور الأميركي، تحت عنوان التحذير من الوصول إلى الفتنة، نظراً إلى أن ​الولايات المتحدة​، من وجهة نظره، تريد إستغلال التحركات الشعبية لمعالجة مشكلتها، التي تكمن بأن الحزب هو الخطر الأول على ​إسرائيل​ ومشاريع الهيمنة الأميركية في ​لبنان​ و​الشرق الأوسط​، وبالتالي هي لا تبحث عن المصالح الوطنية اللبنانية ولا عن مصالح ​الشعب اللبناني​، بل ترى أن التظاهرات موجهة ضد ​إيران​ و"حزب الله".

والفتنة نفسها، كانت المنطلق لتحديد خيار "حزب الله" في الشق الحكومي، الذي يقوم على معادلة أن الإستقرار هو الأولوية بالنسبة إليه، إنطلاقاً من حكومة شراكة برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أو شخصية أخرى بالتوافق مع تيار "المستقبل"، نظراً إلى أن خيار اللون الواحد مرفوض، لأن المصلحة الوطنية، في ظل الأوضاع الراهنة، تتطلب وجود حكومة تعبر عن مختلف الشرائح، بالإضافة إلى المخاطر الخارجية، التي ترافق مثل هذا الخيار، التي لا يجب أن نتجاهلها، مع العلم أن السيد نصرالله كان واضحاً بأن الحزب يعتبر أن الوضعية الأفضل كانت بقاء حكومة تصريف الأعمال، أي عدم إستقالة رئيسها سعد الحريري، تحت ضغط الإحتجاجات في الشارع، من أجل القيام بالإصلاحات اللازمة وتلبية مطالب المواطنين.

إنطلاقاً من هذه النظرة، كان أمين عام الحزب حاسماً في رفضه تشكيل أي حكومة من دون "التيار الوطني الحر"، وبالتالي مهمة التأليف، أياً يكن اسم رئيس الحكومة المكلف الذي ينتج عن الإستشارات النيابية الملزمة، لن تكون سهلة على الإطلاق بعد فشل خيار الإتفاق على التأليف والتكليف معاً، كما كان يريد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، إلا أنها لن تخرج عن إطار حكومة الشراكة بين مختلف القوى السياسية، الأمر الذي تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، لا سيما بالنسبة إلى كيفية التعامل مع جوهر المشكلة، أي السياسات المالية والإقتصادية القائمة في البلاد منذ العام 1992.

في هذا السياق، لا يمكن توقع تعامل المجموعات الفاعلة في الحراك الحقيقي بإيجابيّة، نظراً إلى أن تلك القوى لن تقبل الإستمرار في النهج نفسه الذي كان سائداً قبل السابع عشر من تشرين الأول، خصوصاً أنها تعتبر أن الحريري هو جزء من المشكلة لا الحل، كما أنها لا توافق على معادلة أن الإستقرار في البلاد يتطلب التغاضي عن الذهاب إلى خيارات جذرية، تقوم بالأساس على الذهاب إلى حكومة تبدأ بالمعالجة لا تكتفي بإدارة الأزمة فقط، في المقابل القوى السياسية، بعد التكليف المنتظر لرئيس حكومة تصريف الأعمال، ستعود إلى المربع الأول، حيث الخلاف على الحصص والأسماء، خصوصاً أن أياً منها لم يعمد إلى تقديم تنازلات فعلية منذ تاريخ إستقالة الحريري، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة تجربة الحكومات السابقة في التأليف، لناحية البقاء أشهر طويلة في لعبة عض الأصابع حتى يستسلم أحدها لمطالب الآخر.

في المحصلة، رؤية "حزب الله" في التعامل مع الأزمة الراهنة لم تخرج عن إطار الحذر الأمني من الفتنة أولاً، ثم البحث في كيفية معالجة الأوضاع المالية والإقتصادية ثانياً، على قاعدة أن تركيبة النظام القائم لا تسمح بالذهاب إلى الخيارات الشجاعة، التي ربما كان ليتمنى الذهاب إليها فيما لو كانت المعادلة في البلاد مختلفة.