حصل ما كان في الحسبان، وما لم يقع امر خارج عن الطبيعة والمألوف، فسيمتطي ​سعد الحريري​ حصانه الابيض ويعود الى ساحة التأليف متسلّحاً بسيف التكليف بعد فترة من الغياب القسري استغلها لنسف مرحلة سابقة والتحضير لمرحلة جديدة. تخطيط الحريري للعودة نجح بالفعل، انما يبقى معرفة الثمن الداخلي الذي سيدفعه للبقاء في السراي الكبير، علماً ان الامور على الساحة اللبنانيّة تبقى مرهونة بالتطورات التي يمكن ان تنقلب بين بحظة وأخرى، ما لم تكن هناك ضمانات دوليّة تؤكد العكس.

بداية، لا يمكن اغفال ما تخلل المرحلة الماضية التي تسبق موعد الاستشارات التي ارجئت اسبوعاً، حيث اتبع الحريري سياسة العدائين في السباقات الطويلة فبدأ اعتماد سرعته القصوى في الامتار الاخيرة للسباق، وتحركت عجلاته فعقد لقاءات واجرى اتصالات بعد ان اطمأن الى ان كل اوراق منافسيه باتت محروقة تماماً، والابرز كان ما نقلته وكالة "رويترز" قبل ايام قليلة عن ان اتصال الحريري بالبنك الدولي أدّى الى ارتفاع سندات ​لبنان​ السيادية بالدولار​ 2.5 سنتات! اضافة الى ما قيل انه تلبية الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​ لطلب الحريري ارسال مساعدات الى لبنان حيث حطّت طائرة مصريّة تحمل مساعدات غذائيّة ومواد طبّية.

هذه الاجواء التي سبقت مباشرة اعلان الوزير ​جبران باسيل​ عدم الرغبة في المشاركة بحكومة يرأسها الحريري بالشروط التي يضعها، وانه سيتّجه الى المعارضة. هذه كانت اولى تداعيات المرحلة الجديدة التي يريدها رئيس الحكومة المكلّف، ايّ خلاف عميق مع ​التيار الوطني الحر​ الذي كانت تربطه به علاقة اكثر من وطيدة وادت الى امتعاض بقيّة الاحزاب والتيارات. وبغض النظر عن صحة التحالف الذي كان قائماً من عدمه كما قالها في وقت لاحق باسيل نفسه، فإنّ الواقع الجديد سيكون اقامة متاريس بين التيارين: "المستقبل" و"الوطني الحر"، وهو سينعكس حتماً على المؤيدين والمحازبين للطرفين، فيما سيتعزز دور رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ في اعتباره صلة الوصل او "وحدة الارتباط" بين الحريري و"​حزب الله​" بعد ان كان باسيل يتولى في الكثير من الاحيان التوفيق بين الجانبين. وفي حين سيكسب الحريري مجدداً دعم "​القوات اللبنانية​" و"​الحزب الاشتراكي​"، فإنه سيخسر "الخط العسكري المفتوح" الذي كان قائماً مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​. لا يمكن في مطلق الاحوال اعتبار ان رئيس الحكومة المستقيل-المكلّف قد أغفل اياً من تلك المعطيات، فهو لا شط اشبعها درساً برفقة مستشاريه ومعاونيه، وارتأى انّ ما سيربحه اكثر مما سيخسره وبالتالي قرّر خوض غمار هذا الموقف. ومن المرجّح ان يستشفّ الحريري ما يمكن ان يحصل في الايام المقبلة والاتّجاه الذي تسير به الامور، واذا ما وجد نفسه خاسراً على خطّ التأليف، فهو سيعمد الى استغلال الوضع وكسب التأييد الشعبي ليظهر بأنّه الراغب في انقاذ لبنان وانّ كل من يعارضه هو الذي يساهم في اغراق البلد ومواطنيه.

لا يمكن لاحد ان يتوقع ان يسير الحريري -وهو المشارك الرئيسي في مشاكل البلد مع غيره من الفرقاء حلفاء كانوا ام من المعارضين- على بساط احمر سيفرش له ولو اتى بصورة المنقذ ومن سيخلص لبنان من ازمته، فالواقع السياسي سيبقى نفسه ولو تغيّرت التحالفات واللاعبون، فانتقال الاحزاب والتيارات من صفّ الى آخر لا يعني بأيّ حال من الاحوال ان الامور انتظمت وباتت في مراحلها الاخيرة، وموسم الرسائل بدأ بقوّة اعتباراً من اليوم مع تسمية قليلة نسبياً للحريري في الاستشارات لتتواصل بعدها الرسائل من هنا وهناك، إنْ في موضوع التأليف او في مواضيع ومشاريع اخرى ماليّة واقتصاديّة وانمائيّة وحياتيّة وسياسيّة، فيما الشكر الاكبر لله هو على اخراج معادلة الامن من ايدي المسؤولين في لبنان لانها مدموغة بختم خارجي.

ومع انتهاء هذا النهار، تنتقل الكرة من ملعب عون الى ملعب الحريري الذي سيكون عشيّة الثلاثاء الرابح الاكبر سياسياً، في انتظار ما ستحمله المعارك التي ستخاض يومياً من نتائج، نأمل ان تكون خيراً على لبنان.