بعكس ما يظنّ الكثيرون، إنّ حلّ مُشكلة التكليف هو ثانويّ أمام حلّ مُشكلة تشكيل الحُكومة، فالأوّل ليس مَدخلاً حتميًا لولادة الحُكومة، بل يُمكن أن يتسبّب بمزيد من العراقيل! وقد سَقطت خلال الأسابيع القليلة الماضية نظريّة التوافق على تفاصيل الحُكومة، قبل تكليف شخصيّة ما برئاستها. وبغضّ النظر عن نتائج الإستشارات النيابيّة المُلزمة، صار التركيز مُنصبًّا على شكل وعلى تركيبة الحُكومة المُقبلة، علمًا أنّ كل المُعطيات الحاليّة والمَعلومات المُتوفّرة حتى الساعة، تؤكّد أنّ مسار تشكيل الحُكومة سيكون طويلاً وشاقًا وصعبًا، من دون إستبعاد إفشال أي شخصيّة ستُكلّف مهمّة التشكيل، والقيام بتكليف بديل لها بعد حين! فما هي فُرص التركيبات الحُكوميّة المَطروحة إعلاميًا في الوُصول إلى نهاية سعيدة؟.

بالنسبة إلى خيار حُكومة اللون الواحد، فهو تسبّب بتباين كبير في وجهات النظر بين "الثنائي الشيعي" من جهة، و"التيّار الوطني الحُرّ" من جهة أخرى، حيث أنّ الأخير كان يرغب بالمُضيّ قُدمًا بتشكيل حُكومة من لون واحد ردًا على تشدّد رئيس "تيّار المُستقبل"، وطالما أنّ الأكثريّة النيابية قادرة على تأمين نيل الحُكومة الثقة، وذلك بهدف إخراج كل القوى التي كانت-برأي "التيّار"، تُعرقل مسيرة العهد الرئاسي. والمُفارقة أنّ الإعتراض على هذه الحُكومة، جاء من "​حزب الله​" ومن "​حركة أمل​"، وليس من أيّ طرف آخر. والسبب الفعلي لهذا الإعتراض، ليس لتكون الأكثريّة مُنسجمة مع مواقفها السابقة المُطالبة بحكومة وطنيّة، يوم كانت هذه الأكثريّة أقليّة في مجلس النوّاب، فحسب، بل لأسباب عدّة أخرى، تتصل بحجم المُعارضة الداخليّة التي ستلقاها حكومة اللون الواحد، من جانب قوى حزبيّة تملك ما لا يقلّ عن 50 نائبًا، ومن جانب "الحراك" في الشارع، إضافة إلى الضُغوط والعُقوبات المُنتظرة عليها من جانب الكثير من الدول الخليجيّة والغربيّة. وبالتالي، إنّ هذا الخيار سقط نتيجة مُعارضة "الثنائي الشيعي" له، كون فُرص نجاح هكذا حُكومة في تهدئة الشارع، وفي إستعادة الثقة، وفي النجاح عُمومًا، ضعيفة جدًا.

بالنسبة إلى خيار إنسحاب الأكثريّة من الحُكومة، وترك مهمّة تشكيلها لرئيس "تيّار المُستقبل" ​سعد الحريري​، من دون مُشاركة قوى الأكثرية، فهو خيار مرفوض من جانب "الثنائي الشيعي" أيضًا، لجهة الإعتراض على إخراج "حزب الله" وحلفاؤه من السُلطة، تنفيذًا لإملاءات ولضغُوط خارجيّة. والتلميح إلى هذا الخيار من جانب "التيّار الوطني الحُرّ"، لا يتعدّى المُناورات السياسيّة والإعلاميّة، خاصة وأنّ أمين عام "حزب الله" السيّد ​حسن نصر الله​ كان واضحًا بتساؤله عن الجهة التي ستمنح الثقة لهكذا حُكومة، طالما أنّ الأغلبيّة النيابيّة هي بيد تحالف "التيّار" مع "الثُنائي الشيعي" وبعض القوى والشخصيّات الحليفة! وبالتالي، إنّ هذا الخيار غير واقعي في ظلّ التوازنات الراهنة، وهو لن يبصر النُور بالتأكيد.

بالنسبة إلى خيار تشكيل حُكومة "تكنو-سياسيّة" برئاسة رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري، وبمُشاركة حزبيّة مباشرة مَحدودة عبر أقليّة من الوزراء، وبمُشاركة حزبيّة غير مُباشرة واسعة، عبر وزراء إختصاصيّين تُسمّيهم القوى الحزبيّة كافة، فهي تلقى مُعارضة من أكثر من جهة، إضافة إلى رفضها من جانب المُحتجّين في الشارع. وتركيبة هذه الحُكومة كانت محطّ خلاف أساسي بين "تيّار المُستقبل" و"الثنائي الشيعي" ومعه "التيّار الوطني الحُرّ"، خلال مُحادثات الأسابيع القليلة الماضية، بسبب إصرار الحريري على التركيبة غير السياسيّة لحُكومته. وقد جاء إعلان رئيس "التيّار" ​جبران باسيل​، مُعارضته لشروط الحريري في ما خصّ هذه التركيبة الحُكوميّة، ليوسّع دائرة المُعارضين لمرور هكذا حُكومة. وليس بسرّ أنّ أحزاب عدّة ترفض هذه التركيبة أيضًا، مثل "القوات اللبنانيّة" و"الكتائب اللبنانيّة"، إلخ. وحتى هذه اللحظة، لا يزال "تيّار المُستقبل" يُعلن رفضه لهكذا حُكومة، ما يجعل فرص نجاحها غير قائمة.

بالنسبة إلى خيار الحُكومة التي ترأسها شخصيّة سنيّة يُعيّنها أو يُوافق عليها بالحد الأدنى، رئيس "تيّار المُستقبل"، فهي لم تنجح أيضًا، على الرغم من أكثر من مُحاولة في هذا الإتجاه، بسبب عدم إنسحاب رئيس حُكومة تصريف الأعمال من معركة رئاسة الحُكومة، على الرغم من إعلانه عكس ذلك إعلاميًا، لأهداف تبيّن مع الوقت أنّها تصبّ في خانة تعزيز شروطه التفاوضيّة. وبالتالي، إنّ التغيير الشكلي في إسم رئيس الحُكومة، لا يُغيّر في مَضمون تركيبة هذه الحُكومة، والذي لا يزال غير حائز لا على الإجماع السياسي، ولا على الأكثريّة النيابيّة المَطلوبة.

في الخلاصة، ليس صحيحًا أنّ سبب ما وصلنا إليه من تردّ ذريع على مُختلف المُستويات، جاء نتيجة إستقالة الحُكومة الحالية، بل هو نتيجة تراكم سنوات لا بل لعُقود من الفشل الذريع، وبسبب عدم المُسارعة إلى تشكيل حُكومة جديدة كفيلة بإعادة الثقة وبإطلاق مُهمّة الإنقاذ. ومهما كانت نتيجة الإستشارات ومسألة التكليف وتطورات الساعات المُقبلة، فإنّ بوادر تشكيل حُكومة جديدة، لا تزال غير مُتوفّرة حتى تاريخه. وشدّ الحبال مُتواصل بين أكثر من جهة داخليّة، من دون أن ننسى الإمتدادات الخارجيّة للصراع، في ظلّ توسّع دائرة الإنهيار الداخلي، وحجم الغضب الشعبي. وقبل أن يتنازل "المُستقبل" عن مُعارضته لحكومة تكنو-سياسيّة بالمُطلق، أيّا كان رئيسها، بالتزامن مع تنازل الفريق الآخر عن الحُصول على الأغلبيّة فيها، وعلى الحقائب الرئيسة أيضًا، إنّ عضّ الأصابع سيستمرّ وكذلك الفشل في ولادة حُكومة جديدة، مع كل النتائج الكارثيّة لهذا الأمر!.