حتى الساعة لا يملك أحد تصوراً واضحاً عما يجري على الساحة اللبنانية من تطورات، في ظل المعطيات المتحركة بين ساعة وأخرى، بالتزامن مع أزمة واضحة على مستوى ​الحراك الشعبي​ وأخرى على مستوى القوى السياسية الفاعلة، تظهرت بشكل واضح في الأيام الماضية، لا سيما خلال المواجهات بين ​القوى الأمنية​ و​المتظاهرين​ في وسط بيروت يومي السبت والأحد.

ضمن هذا السياق، يمكن قراءة ما يجري على أرض الواقع وفي الصالونات السياسية في الوقت الراهن، حيث تسيطر حالة من الإرباك على مختلف القوى السياسية، خصوصاً تلك التي تشكل الأكثرية النيابية، وعلى مختلف المجموعات الفاعلة في الحراك الشعبي.

على هذا الصعيد، ترى مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن هناك مشهداً عاماً على المستوى السياسي تأتي خلفه كل التفاصيل الموجودة في الشارع، عنوانه عدم رغبة ​الولايات المتحدة​ بالوصول إلى تسوية سياسية، الأمر الذي تظهر برفض معادلة الاستقرار أولا، التي رفعها أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​ في خطابه الأخير، وهو ما كان واضحاً بعد وقت قصير على إنتهاء الخطاب، من خلال المواقف التي عبر عنها بعض المسؤولين الأميركيين، لا سيما وزير الخارجية ​مايك بومبيو​، ما يعني أن المواجهة مستمرة بأوجه عدة للحصول على المزيد من المكاسب السياسية.

أمام هذا المشهد العام، ترى المصادر نفسها، أنه يمكن طرح أكثر من فرضية لما حصل يومي السبت والأحد في الشارع، حيث كان من الواضح وجود أكثر من رسالة تقف خلفها جهات متعددة، يراد إيصالها قبل موعد الإستشارات النيابية الملزمة، التي من المفترض أن تقود إلى تسمية رئيس حكومة تصريف ​سعد الحريري​ ل​تشكيل الحكومة​ المقبلة.

من وجهة نظر هذه المصادر، في الشارع هناك حراك يريد إسقاط الحريري قبل الوصول إلى تسميته، عماده قوى فاعلة فيه، بينما هناك حراك آخر يريد أن يضمن إعادة تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال بأقل قدر ممكن من التحركات الشعبية الرافضة، بالإضافة إلى ثالث لا يريد الوصول إلى أي حل في الوقت الحالي، بالتزامن مع رابع يسعى، منذ نحو اسبوع، إلى نقل التحركات من الطابع السلمي إلى الطابع العنفي، ضمن مخطط يعمل على "شيطنة" الأجهزة الأمنية، وهو عمد إلى إطلاق الشعارات الإستفزازية لإستدعاء شارع آخر إلى المواجهة.

انطلاقاً مما تقدم، ترى المصادر السياسية المطلعة أن حصول الإستشارات النيابية الملزمة لا يعني الإنتقال إلى مرحلة البحث عن حلول، بل يمكن القول انها ستنقل الصراع إلى عنوان آخر يتعلق بشكل الحكومة المقبلة وأعضائها، أي كيفية توزيع الحصص وإختيار الوزراء، خصوصاً أن كل فريق لا يزال عند مواقفه السابقة، لناحية الخلاف حول الصيغة: تكنوقراط أم تكنوسياسية، أو كما طرح السيد نصرالله حكومة شراكة بين أكبر عدد ممكن من القوى السياسية.

وتشدد المصادر نفسها على أن المعطيات الراهنة تؤكد أن الأزمة القائمة لن تنتهي في وقت قريب، بل على العكس من ذلك ستكون مرحلة التأليف، في حال إعادة تسمية الحريري الأصعب في تاريخ لبنان، إلى حين الإتفاق على تسوية تسمح بإنتاج حكومة وفق صيغة جديدة، تقوم على أساس التوازن الداخلي والخارجي الذي ستكون عليه لحظة ولادتها، الأمر الذي لم يتضح حتى الآن.

في المحصلة، يمكن الحديث عن أزمة تتعقد يوما بعد آخر على مستوى القوى السياسية والحراك الشعبي، فالأولى مكبّلة بالضغوط الخارجيّة التي تزداد بشكل كبير، بينما الثاني غارق في حالة من الفوضى تظهر التوجهات المختلفة عند المجموعات الفاعلة فيه، والتي قد تؤدي إلى زيادة التوترات في الشارع في الأيام القليلة المقبلة.