الإستشارات النيابية الملزمة لاختيار شخصية لتشكيل الحكومة، لم تكن يومًا مسألة عادية حتى ولو كان الإسم المكلَّف معروفًا، فكيف إذا كانت المسألة تتم في ظل التباعد إلى حد القطيعة بين رئيس الجمهورية الذي سيجري الاستشارات وبين رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ الذي يُحتمَل ان يكون هو الشخصية التي ستُسمَّى؟ بهذا المعنى لن تكون المسألة نزهة على الإطلاق:

فلا الشعب المليوني للإنتفاضة يقبل به، ولا الشعب بوجه عام يقبل به ولا فئة كبيرة من السياسيين المحايدين تقبل به، فكيف سيمر؟

***

لا أحد بإمكانه ان يتكهَّن ماذا سيحدث غدًا، لكن حين يحضر النص يغيب الإجتهاد.

" النص" هنا يقول ما يلي :

الشعب المليوني يرفض تسمية "المُجرَّب"، جرَّبه على مدى حكومتين متعاقبتين في هذا العهد وكانت النتيجة الفشل، فلماذا عليه ان يجربه مرة ثالثة؟ ويجدر التنويه إلى ان هذا الشعب جرَّبه في حكومات في العهد الماضي، فماذا حقق؟ لا شيء، إذًا لماذا إعادة الكرة؟ أليس في ​الطائفة السنية​ الكريمة مَن هُم أهل لهذا المنصب ولهذه المسؤولية؟

إذًا، شعب الإنتفاضة يرفض الإستشارات التي ستجري لأنها إلى حدٍّ ما معلَّبة، وهي ستؤدي إلى تكليف الرئيس ​سعد الحريري​ الذي يرفض شعب الإنتفاضة تكليفه إنطلاقًا من حقيقة "مَن جرَّب المجرَّب" يوم عادي تعودنا على مدى عقود على تكليف وتأليف الحكومات، فما العجب بهذا النهار بالذات؟

***

إنطلاقًا من هذا المعطى فإن الكتل النيابية والنواب المنفردين "سيعدون للعشرة" قبل التوجه إلى ​قصر بعبدا​ للمشاركة في الاستشارات... الطريق لن تكون نزهة لأن الإنتفاضة لن تجعلها سهلة، وذلك كتعبير عن الرفض والإعتراض .

***

لن يكون وضع الإفرقاء السياسيين بأفضل: مواقفهم هي إياها ومناوراتهم اعتدنا عليها، فلماذا حبس الأَنفاس؟ ولماذا إيهام الناس بأن هناك أمرًا مهمًا سيحدث؟ لا إثارة بعد اليوم، والأجوبة ستكون كالتالي :

سميتُ فلانًا أو فلاناً .

لم أسمِّ أحدًا .

نوابٌ قد لا يشاركون في الإستشارات، وفي المحصِّلة مَن سيأخذ 65 صوتًا من أصوات النواب، أي نصف أعضاء ​مجلس النواب​ زائدًا واحدًا، ستتم تسميته.

***

ولكن، ماذا بعد التسمية إذا حصلت؟

عندها سيبدأ "الجهاد الأكبر بالمعنى السياسي" :

الرئيس المكلَّف، إذا كُلِّف، لا يرضى إلا بحكومة اختصاصيين، أي ليس فيها أحد من السياسيين، أي انه يريد ان يقول انه يستبعد:

حزب الله​ و​حركة امل​ و​التيار الوطني الحر​ والإشتراكي والقوات اللبنانية وكل الأطراف السياسيين .

رئيس الجمهورية، الشريك في التسوية، يرفض حكومة اختصاصيين ويطرح حكومة تكنوسياسية وهذا ما لا يقبله الرئيس الحريري، وعليه إذا ما تقدَّم الرئيس الحريري بالتشكيلة التي يعتبرها مناسبة فإن رئيس الجمهورية لا يوقعها .

هذا مأزق أول .

***

المآزق الأخرى ان حزب الله لا يمشي ب​حكومة تكنوقراط​ لأنه سيكون مستبعدًا منها

وكذلك ​حركة أمل​ وكذلك التيار الوطني الحر .

القوات اللبنانية تريد حكومة اختصاصيين، ولأنها طرف سياسي فإنها لن تكون ممثلة فيها .

إذًا ممن سيشكَّل الرئيس الحريري حكومته؟

هذا مأزق ثانٍ.

***

المأزق الثالث انه يُكلَّف ولا يؤلِّف، وعندها الطامة الكبرى، و"خراب البصرة" سيكون بعد رأس السنة حيث ستتدحرج المصانع والمؤسسات والمعامل... تصوروا ان نصف مليون عامل وموظف سيصبحون عاطلين عن العمل... تخيلوا الوضع الذي سنكون فيه؟

شعبٌ دعم الدولة بكل ما أوتي، وصلت ودائعه في ​المصارف​ إلى 175 مليار دولار، فأين أصبحت؟ وهل تبخرت؟ هذا الشعب مَن أوصله إلى ان يستعطي راتبه من المصرف الذي ائتمنه على أمواله؟

حين نصل إلى هذه الاسئلة، ماذا يعود ينفع الشعب المليوني ان يسأل مَن هو رئيس الحكومة، ومَن هم الوزراء؟

***

الشعب يريد الإنقاذ، ونقطة على السطر. أما مسؤولية الإنقاذ فتقع على عاتق هذه الطبقة السياسية لأنها هي التي أوصلت هذا الشعب إلى هنا .

***

ولكن لنفترض ان الرئيس الحريري قال كلمته وصمم وأصر على الحكومة وعلى ان تكون اسماؤها جاهزة، فماذا سيكون عليه موقف الإنتفاضة؟

***

الشعب المليوني صابر...

بانتظار الفرج لان هذا الوضع الراهن المؤلم المأسوي على كل الشعب لا يمكنه ان يستمر، حرام ان تزيد البطالة الى درجة غير مسبوقة، حرام ان يصبح همّ الأهل كيف يؤمنون اقساط اولادهم من مالهم، حرام اقفال الشركات والمصانع والمحلات.

اذا الشعب سرق الدولة حاكموه، وأجبر ان يدفع الثمن غالياً للذين "سرقوا" دولة الرئيس الحريري فهذه قمة المعاناة والقهر ولهذا السبب انتفض الشعب الأصيل .

***

والسؤال الكبير: متى سيرى الشعب المليوني صيداً ثميناً من الفاسدين اعيدت اموالهم الى خزينة الدولة؟

لا قيامة لشعب لبنان

الا ونكررها للمرة الالف بـ "حكومة قوية" تعيد الاموال المنهوبة والتصويب على كل فرد باسمه اذ كل الاسماء و"التحاويل" متى ومن أي مصرف وكم وبأية عملة أصبحت واضحة في المجتمع الاوروبي .

"السترة" باستعادة الاموال بالحكومة القوية أفضل بكثير من بهدلة الاسماء، فلبنان لا يزال تحت المجهر الدولي الذي يعرف كل شاردة وواردة، إذ ان اعادة الاموال وبأقصى سرعة هي بداية قيام الدولة من نقطة الصفر .