منذ حوالي شهر كان موقف حزب "القوات ال​لبنان​ية" ثابتاً بأن المطلوب هو ​حكومة تكنوقراط​ لا تشارك فيها القوى السياسية الموجودة في ​المجلس النيابي​، وهذا الموقف لا يزال نفسه حتى اليوم، ولكن يومها كان الموقف الواضح أيضا بأنّ القوات تريد رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​ على رأس حكومة تكنوقراط، فما الذي تغيّر اليوم؟.

تشير مصادر سياسيّة مطلّعة الى أن موقف القوّات كان دعم الحريري لأنها تأخذ بالإعتبار مكانته داخل طائفته، وترى فيه الأقدر على التواصل مع الدول المعنيّة بإنقاذ ​الاقتصاد اللبناني​، لافتة عبر "النشرة" الى أن تبدّل الموقف القواتي قبل أقل من 24 ساعة على موعد الاستشارات النّيابية الملزمة شكّل صدمة لرئيس الحكومة المستقيل، فاتّصل برئيسيالجمهوريّة ميشال عون والمجلس النيابي ​نبيه بري​ وطلب تأجيل الاستشارات.

إن الموقف القوّاتي المستجد جاء تماشيا مع المطلب الأميركي الذي لا يريد حكومة أولاً، ولا يريد الحريري بهذه المرحلة ثانياً، فبات "القوات" الى جانب "​الكتائب​" في الموقف من التسميات، وبالتالي أصبح الحريري مكشوفا مسيحياً من قبل "القّوات اللبنانية" و"الكتائب" و"​التيار الوطني الحر​"، وأصبح القويّ منذ أسبوع، في موقف ضعيف جدا، الأمر الذي دفعه لطلب التأجيل بعد أن شعر بأن إسمه سيكون "المحرقة" المقبلة.

وتكشف المصادر أن طلب تأجيل الاستشارات من قبل الحريري لم يُولد أمس، بل منذ أكثر من 48 ساعة، ولكن الطلب لم يُستجب له، الأمر الذي أغضبه، وسبب طلب التأجيل الأول كان موقف رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​، فرئيس الحكومة المستقيل رغم كل شيء، لا يريد أن يُكلّف بالقلّة القليلة منالنوّاب، فهو بعد أن تمكّن من الاستحصال على دعم طائفته كاملا، لا يريد خسارة دعم طوائف أخرى، فهو يريد الظهور كمظهر المخلّص الذي تنادي به ​الكتل النيابية​.

وتشير المصادر الى أنّ ما حصل في ​الساعات​ الماضية أظهر بما لا يدع مجالا للشكّ بأن الفريق الأوروبي الداعم للحريري لم يتمكّن بعد من إقناع ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة بضرورة تشكيل حكومة بالمرحلة الحاليّة، فالأميركي لا يزال مصرّاً على حكومة تُشكّل بعد الإنهيار، على اعتبار أن حكومة كهذه ستتشكّل بشروط ​البنك الدولي​، الذي وللمناسبة طلب منه الحريري المساعدة، الأمر الذي أثار سخطا كبيرا في لبنان.

تأجّلت الاستشارات الى الخميس المقبل، وكان بيان الرئاسة واضحا بأنها تأجلت بناءً لطلب الحريري، لأنّ السّهام التي كانت تُوجه الى ​الرئيس ميشال عون​ بالسابق في موضوع الاستشارات والدعوة إليها كانت كفيلة بالإعلان بوضوح عن سبب التأجيل، وتشير المصادر الى أنّ معجزة ما إنْ حصلت ستؤدّي الى حصول الاستشارات الخميس، حيث يُتوقّع أن تؤجّل مجددا وبناءً لطلب رئيس حكومة تصريف الاعمال نفسه، على أن تأتي زيارة مساعد وزير ​الخارجية الأميركية​ لشؤون الشرق الأوسطدايفيد هيل الى لبنان نهار الجمعة المقبل، فتوتّر الأوضاع، مشدّدة على أننا أمام نهاية عام مثيرة بالشارع، لأنّ بعض القوى السّياسية مصرّة على اعتماده مكانا لتبادل الرسائل.

ترى المصادر السّياسية أن حلفاء الحريري "المفترضين" كسروا ظهره السياسي في 48 ساعة، وبالتالي لم يعد ممسكا بزمام المبادرة، وبحال بقيت الامور على ما هي عليه، فلا عجب أن يعود "الشيخ سعد" الى نغمة "ليس أنا، بل أحد آخر" ل​رئاسة الحكومة​، ما يعني نجاح الأميركي عبر أدواته اللبنانيين بفرض ما يريد، وهنا سنعود الى الدوران بنفس الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ شهرين.