صارت فصول ليالي ​وسط بيروت​ على مدى الأيام الماضية كالكوابيس... وأنت تشاهدها وتعيشها تطرح الاسئلة على نفسك:

هل ما نختبره خيال أم وهم أم حقيقة مرّة؟

صحيح ان الحابل اختلط بالنابل لكن حقيقة واحدة كانت تمرّ أمام اعيننا ونحن نقلب الشاشات:

حقيقة استعادة مشاهد الحرب... حرائق.. ناس تمر مسرعة متشحة بالسواد كالاشباح - صراخ - شتائم ... الفاظ نابية وعناصر أمنية وعسكرية تقذف القنابل المسيلة للدموع مقابل ​مفرقعات نارية​ ودروع بشرية لا يمكن مواجهتها إلا سلمياً...

***

كل ذلك يجري وسط غياب تام للمعالجات.. نداءات استغاثة من قيادات روحية لا تروي غليل من حقنته تسريبات التواصل الاجتماعي ولا ترضي شارعاً في المقابل صار ضائعاً بين المندس والحقيقي والمفبرك والمصطنع.

كأننا نعيش حرباً غير معلنة.. لم يظهر أبطالها لكن نتائجها معروفة.. مزيد من الخراب والدمار والقلق والوجع.

***

ما جرى ويجري ليس على الحدود انما في قلب العاصمة وعلى بعد امتار من سكن رئيس ​الحكومة​ المستقيل المعلّق تكليفه وعلى بعد أمتار أيضاً من سكن رئيس ​مجلس النواب​ وعلى بعد امتار أيضا من مقر الرئاسة الأولى...

أين المسؤولون؟ أين من وعدوا الناس بالخير وبالاستقرار وبالنعيم؟

هل يدركون ان بادائهم وممارستهم اعادوا البلد سنوات وسنوات الى الوراء... ليست ​الثورة​ ولا انوار الثوار ما قاد البلاد الى الانهيار السريع. انما استخفاف بعض من أدار البلاد على مدى سنوات بعقول الناس وباحلام ​الشباب​ وباسئلتهم وهواجسهم.. ولم يتعلموا بعد.

***

ظنّ بعض من يعتبرون انفسهم مسؤولين ان بامكانهم "استهبال" الناس أكثر فركبوا موجات الثوار بينما يطالبهم الثوار بأن يكونوا في السجون؟

صاروا ناطقين ومفاوضين باسم الحكومات المقبلة وباسم الثوار بينما يطالبهم الثوار بأن يقبلوا بأن يسلموا الامانة لغيرهم لأنهم فشلوا وعاثوا فسادا ودمروا المؤسسات ونهشوا الأموال العامة وانقضوا بجشع على المناقصات والتلزيمات والتعهدات وتقاسموا مع الذين رست عليهم المشاريع الأموال الحرام...

***

لا ينفع البكاء على الاطلال ورمي المسؤوليات على الغير بالغدر والطعنات... فالثوار غير معنيين ببيانات الفجر ولا بتركيبات ولا تسويات التفاوض على حياتهم ومستقبلهم... يكفي فقط ان تستمعوا الى صرخاتهم يقولون ارحلوا... حتى انتم الذين تركبون موجة الثورة ارحلوا... انوار الثوار لن تطفئها عتمة ما تخططون له في كواليسكم واشباحكم الذين تنزلونهم الى الساحات لإرهاب الناس أو ترهيبهم استعجالاً لفرض الاوراق على الطاولة التي لن تغير شيئاً في المشهد...

***

سقط جدار الخوف منهم، سقط عليهم اسقطه جوع الناس وقرف الناس ويأس الناس وما زرعوه من افخاخ في وسط الطريق لتقوية أوراق التفاوض انفجر بهم الواحد تلو الآخر.

نعم... لا حكومة في المدى القريب لأن بعض من اعتبروا انفسهم مسؤولين لم يدركوا بعد ان الزمن لم يعد زمنهم وان الأمور تبدلت وان مصداقيتهم مفقودة في الداخل والخارج وان الثوار الذين افترشوا الساحات وقطعوا الطرقات لن يقبلوا بعد اليوم بمنطق التسويات الفوقية التي تفرض عليهم حلولاً تسقط بالمنطاد. هم شركاء حتى لا نقول أصحاب القرار.

وبالانتظار علينا لملمة جراحنا المالية والاقتصادية والاجتماعية في اسبوع الاعياد لان الأسوأ لم يأتِ بعد ما داموا يكابرون.