لم يكن غريباً تحريك الشارع في مواجهة الرئيس المكلف تشكيل ​الحكومة​ ​حسان دياب​، مباشرة بعد صدور بيان التكليف عن ​رئاسة الجمهورية​، نظراً إلى أن جميع المؤشرات كانت تؤكّد بأنّ القوى التي لا تريد حلا في ​لبنان​، في الوقت الراهن، لن تتأخر في استخدام كافة أوراقها على هذا الصعيد، لكن في المقابل الرجل قد ينجح في مهمّته إذا ما توفّرت لديه بعض الظروف المساعدة.

على هذا الصعيد، تصرّ أوساطا سياسية مطّلعة، عبر، "النشرة"، على رفض مقولة أن الرجل سيتجه إلى الإعتذار في نهاية المطاف، حيث تؤكّد أن لا شيء يمنع نجاحه في هذه المهمة، خصوصاً أن الظروف قد تكون مساعدة، على عكس ما اظهرته ​الساعات​ القليلة الماضية، نظراً إلى أن الكلمة التي توجه بها إلى اللبنانيين، بعد تكليفه، يمكن ​البناء​ عليها.

في هذا السياق، تفضّل الأوساط نفسها العودة إلى الرسائل التي رافقت عمليّة التأليف قبل الحديث عن فرص التأليف، وتوضح أن قوى الثامن من آذار نجحت في تحقيق الهدف الأول لها، من خلال إسقاط المرشح الآخر ​السفير اللبناني​ الأسبق في ​الأمم المتحدة​ نوّاف سلام، الذي كان مدعوما من ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، وبالتالي توجيه رسالة حازمة بأن مرشّح ​واشنطن​ لن يمرّ في ​بيروت​.

بالتزامن، رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​ لم يذهب إلى خيار صدامي مع قوى الثامن من آذار، بل على العكس من ذلك يبدو أنّه قرّر الإستفادة من الواقع الراهن لحماية نفسه، بعد أن أدرك أن حلفاءه الدوليين والمحليين في طور التخلّي عنه لتحقيق مصالحهم، وهو ما لمسه من خلال عزوف حزب "القوات اللبنانية" عن تسميته يوم الإثنين الماضي، قبل أن يطلب التأجيل من ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، الذي نجح بدوره في إجراء الاستشارات التي قد تُخرج البلاد من دائرة المراوحة، بعد أن بات من الصعب الذهاب إلى أيّ تأجيل جدّي.

بناء على ما تقدّم، ترى هذه الأوساط أن دياب يملك فرصة جدّية لتجاوز المطبّات التي تعترضه، تتمثل بقرار واضح من القوى التي تشكّل الأكثريّة النّيابية في تسهيل مهمّته، عبر عدم ممانعتها في الذهاب إلى تشكيل حكومة اختصاصيين بشكل شبه كامل، في حين يكون تمثيل الأحزاب على شكل تمثيل "​حزب الله​" بوزير ​الصحة العامة​ في حكومة تصريف الأعمال ​جميل جبق​، وتلفت إلى أنّ الحريري قد يلعب دورا مساعدا على هذا الصعيد على عكس ما يتوقّع الكثيرون، نظراً إلى أنّ لديه مصلحة خاصة في عدم الذهاب إلى قطيعة كاملة مع القوى التي تشكل الأكثرية النّيابية، بعد أن بات واضحا أنّها من الممكن أن تشكّل ضمانة له في ظروف مختلفة.

وتشدّد الأوساط نفسها على أنّ ما ينطبق على حكومة برئاسة دياب لا ينطبق على حكومة برئاسة الحريري، لناحية الشروط على مستوى التمثيل، وهو ما عبر عنه "​التيار الوطني الحر​"، من خلال التأكيد على أنّه لن يشارك بالصيغة نفسها، أيّ عدم ممانعته طرح الأخصائيين بشكل كامل بعد تسمية رئيس الحكومة المكلّف، خصوصاً أن رئيسه ​جبران باسيل​ سبق له أن قدّم مثل هذا الاقتراح.

الأوساط السياسية المطلعة، لا تتردد في القول أن الحكومة المقبلة لن تحقق المعجزات، بسبب الظروف التي سترافق ولادتها وعملها في مرحلة ما بعد التأليف، لكنها ترى أنها قد تكون أفضل الممكن، أيّ افضل من الإستمرار في الحالة السابقة التي كانت أقرب إلى الفراغ القاتل.

وتشدّد هذه الأوساط على أنّ الحراك الحقيقي قد يكون أمام فرصة جديدة ليكون شريكا في الحل، بعيداً عن المجموعات والقوى التي تريد استخدامه ورقة في المشروع الأميركي، لكن تعتبر أنّ عليه أن يبدأ بتنظيم نفسه أولا، خصوصاً أن المرحلة السابقة أثبتت عدم جدوى الاستمرار في حالة الغموض.

في المحصلة، تعتبر الأوساط نفسها أن تسمية حسان دياب قد تكون مفتاحا للحل، أو الخروج من دائرة المراوحة، وإلا فإنّ الأمور ستعود إلى المربّع الأول، لا بل قد تكون مرشّحة للدخول في حالة من الفراغ القاتل بانتظار التسوية الكبرى على مستوى المنطقة.