تُؤَشِّر التَّصريحات الأُوْلى الَّتي أَدلى بها رئيس الحُكومة المُكلَّف الدُّكتور حسَّان دياب، إِلى مُعطياتٍ مُطمئنةٍ، كان يحتاج إِليها الشَّارع المُنتفض على ​الفساد​، كما وعلى الذِّهنيَّة الَّتي كانت تُحكم بها البلاد قبل 17 تشرين الأَوَّل الماضي، على ما يُفتَرض...

لكنَّ البعض آثر المضيَّ في اعتراضه ولو أَنَّ الثَّقافة الشَّعبيَّة غير المُطَّلِعَة على شخص رَّئيس ​الحكومة​ المُكلَّف و"تكنوقراطيَّته"، جعلت هؤُلاء يُؤْثرون مُجدَّدًا الانصياع للأَوامر "الواتسأَبيَّة"، وينزلون إِلى الشَّارع مُجدَّدًا على قاعدة أَنَّ الإِنسان عدوُّ ما يجهل!. حتَّى أَنَّ سيِّدةً مثلاً صرَّحت أَنَّها لا تعرف شيئًا عن دياب غير أَنَّها ضدُّ تسميته!.

إِنَّه الشَّارع السَّاعي في بعضٍ منه إِلى الاعتراض على كلِّ شيءٍ...

غير أَنَّ الإِشارات الإِيجابيَّة الَّتي أَطلقها دياب، تُثبت أَنَّ اختياره لم يكُن على غفلةٍ من الزَّمن، كما أُشيع للنَّاسِ تَضليلاً، بل بالعكس، هو ثمرة حركةٍ لا تهدأُ، ولو بعيدًا من الأَضواء، تولاَّها رئيس الجمهوريَّة العماد ​ميشال عون​، السَّاعي منذ اليوم الأَوَّل للحراك، إِلى تعبيد الطَّريق أَمام تحقيق المطالب المُحقَّة للشَّعب المقهور، ولكنَّه غير ساكتٍ عن حقِّه...

فحين أَكَّد دياب مضيَّه في تحمُّل المسؤوليَّة الوطنيَّة المُلقاة على عاتقه في أَصعب ظُروفٍ يمرُّ بها ​لبنان​، فقد أَظهر من خلال ذلك أَنَّه يمتلك أَقلَّه التَّصوُّر لبداية إِنقاذ البلاد من الوضع المُتردِّي الَّذي باتت تعيشه. كما وأَظهر أَنَّ الدُّكتور "التِّكنوقراطيَّ" بامتيازٍ، يتحلَّى أَيضًا بشجاعةٍ جعلته يتلقَّف كُرة النَّار...

وحين أَكَّد دياب أَنَّ التَّشكيل الحكوميَّ سيكون قريبًا، فإِنَّه أَشار إِلى ثلاث مسائل بالغة الأَهميَّة:

1–إِنَّ الأَحزاب والتيَّارات وكلَّ من "صوَّت" لدياب أَو "لم يُصوَّت" له، مُستعدٌّ ليخطو خطوةً إِلى الوراء، تسهيلاً للتَّشكيل، في ظلِّ هذا الخطر الدَّاهم والمُتعاظم في آنٍ...

2–إِنَّ الاتِّصالات بدأت بالفعل –من وراء الكواليس وبعيدًا من الأَضواء- ما كوَّن أَملاً في الخُروج من النَّفق المُظلم، وانتصار طائر الفينيق مُجدَّدًا!.

3–إِنَّ الرَّئيس عون كان مُحقًّا في تلازُم مسارَيْ التَّكليف والتَّأْليف، فلو كان "يحسبُها" على طريقة التَّاجر، في المكسب والخسارة، لكان أَجرى الاستشارات النِّيابيَّة المُلزمة منذ اليوم الأَوَّل بعد استقالة الحُكومة الحريريَّة، ولكان كُلِّف ​سعد الحريري​ مُجدَّدًا، ولكانت الأُمور توقَّفت عند هذا الحدِّ، وليتحمَّل الحريري تبعاتها!. أَمَّا وقد استمهل الرَّئيس عون نفسه كما الآخرين، فقد رمى إِلى أَنْ يُؤدِّي عامل الوقت، إلى مُراجعة كلِّ فريقٍ حساباته، فبرزت لدى الجميع قناعاتٌ أَكثر وضوحًا، أَفضت بالأُمور إِلى ما أَفضت إِليه...

وأَمَّا حين أَوحى رَّئيس الحكومة المُكلَّف أَنَّ تحسُّنًا سيطرأ على الوضع المطلبيِّ فإِنَّه بذلك يكون قد بشَّر بأَنَّ الوضع المُترنِّح بين الجُنوح نحو شدِّ الحبال الإِقليميِّ–الدَّوليِّ، وبقاء الصِّراع داخل الحلبة المحليَّة، يمكن إِبقاؤُه تحت السَّيطرة، وبأَنَّ الأُمور لم تتفلَّت بالكامل بعد...

وفي المُحصِّلة فقد دخل رَّئيس الحكومة المُكلَّف "في التَّجربة"، بملء عزمه واختياره، مُحافظًا كعادته، على هُدوءٍ مجبولٍ بالعزم والتَّبصُّر للأُمور كما للمصاعب. ومع أَنَّ حسَّان دياب يتمتَّع بالمزايا الَّتي يُنشدها الشَّارع، وبدفتر شروطه ومُواصفاته، أَي بالاستقلاليَّة عن أيّ حزب أو جهة سياسيّة، وبمنحاه "التِّكنوقراطيِّ"، وبحفظ النَّفس من المُلوِّثات الخُلقيَّة المُفسدة للأَفراد والمُجتمع... غير أَنَّ الإِفراط في التَّفاؤُل يجعلنا نجنح نحو أَحلام اليقظة، كما ويُبعدنا عن الواقعيَّة المفتوحة على شتَّى أَنواع العراقيل والمفاجآت غير السَّارَّة... ومع أَنَّ الخاتمة الَّتي بلغت إِليها الاستشارات واعدةٌ، إِلاَّ أَنَّ شُموع التَّشفُّع إلى القدِّيسين والأَتقياء لا بُدَّ مِن إِضاءتها، علَّ إِرادة الخير عندنا يكون لها كلمة الفصل أَخيرًا.