بعد إتمام خُطوة تكليف المهندس حسّان دياب تشكيل الحُكومة المُقبلة، وقيام هذا الأخير بالتواصل مع أغلبيّة الكتل النيابيّة والنوّاب المُستقلّين، وكذلك مع وفد تردّد أنّه يُمثّل "​الحراك الشعبي​"، تتجه الأنظار إلى الحُكومة الجديدة التي يُنتظر أن تُولد قريبًا، وتحديدًا ما بين الأسابيع الأربعة إلى الستّة المُقبلة–كما أعلن رئيس الحُكومة المُكلّف بنفسه، علمًا أنّ إتصالات كثيفة جرت بين مسؤولي فريق الأغلبيّة النيابيّة خلال الساعات الماضية، لتسريع وتيرة التشكيل قدر المُستطاع. فكيف ستكون هذه الحُكومة، بحسب المَعلومات المُتوفّرة حتى تاريخه؟.

أوّلاً: من حيث الشكل، الإتجاه أن تكون الحُكومة أصغر من حُكومة ​تصريف الأعمال​ الحالية من حيث الحجم، لكن لم يتم حسم هذا الموضوع كليًا بعد، حيث أنّ النقاش لا يزال مَفتوحًا بشأن أن تضمّ الحُكومة ما بين 18 وزيرًا بالحدّ الأدنى، و24 وزيرًا بالحدّ الأقصى، مع تفضيل المُهندس دياب أن تكون من 20 وزيرًا، على أن تضمّ الحُكومة المُقبلة عددًا كبيرًا من النساء. وبطبيعة الحال، ستراعي الحُكومة المُقبلة التوزيعين الطائفي والمذهبي المُعتادين في لبنان.

ثانيًا: من حيث الشكل أيضًا، وبعد أن كان الإتجاه في الماضي القريب يميل إلى تقسيم الحكومة المُقبلة إلى ثلاثة أقسام، على أن يضمّ القسم الأوّل عددًا قليلاً من الوزراء السياسيّين، ويضم القسم الثاني عددًا قليلاً من الوزراء المُمثّلين للحراك، ويضم القسم الثالث وزراء إختصاصيّين تسمّيهم الأحزاب السياسيّة الرئيسة التي ستُشارك في الحُكومة، تتجه الأمور إلى الإستغناء كليًا عن أيّ وزير سياسي معروف، بحيث قد تقتصر الحُكومة على وزراء إختصاصيّين من دون أي تواجد لوزراء سياسيّين بشكل مُباشر، علمًا أنّ وزراء الإختصاص يُنتظر أن يكونوا بدورهم من الوجوه الجديدة وغير المَعروفة بالإجمال من قبل الرأي العام.

ثالثًا: من حيث المَضمون، لقد تأكّد بنسبة كبيرة أنّ أيّا من النوّاب الحاليّين لن يكون في الحُكومة المُقبلة، ومن بينهم النائب ​جبران باسيل​ الذي كان شغل مناصب وزاريّة أساسيّة خلال العقد الأخير، كان آخرها ​وزارة الخارجية​ والمُغتربين. وما سينطبق على "التيّار الوطني الحُرّ" سيشمل أيضًا وزراء "​الثنائي الشيعي​" الذي كان يتردّد أنّهم سيبقون في الحُكومة المُقبلة، قبل أن يتبدّل رأي القوى السياسيّة المَعنيّة، إزاء هذا المسألة بهدف الحدّ من الإعتراضات على الحُكومة.

رابعًا: من حيث المَضمون أيضًا، سيحظى رئيس الجُمهوريّة بحصّة، وسيحظى "الحراك" بحصّة أيضًا، بموازاة حُصص القوى السياسيّة التي ستُشارك في الحُكومة، لكنّ كل هؤلاء الوزراء يُنتظر أن يكونوا من الإختصاصيّين ومن أصحاب الخبرة والكفاءة والشهادات العلميّة العالية، كلّ في مجال عمله.

لكنّ تحديد الخطوط العريضة لشكل الحُكومة المُقبلة، ولمضمونها، لا يعني أبدًا أنّ مسار التشكيل مفروش بالورود! وبمجرّد الحديث عن فترة تمتدّ ما بين الشهر والشهر والنصف، يعني تلقائيًا أنّ الكثير من الثغرات بحاجة للمُعالجة. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: ستجري في مرحلة أولى مُحاولة لضمّ وزراء إختصاص مُمثّلين عن كل من "تيّار المُستقبل" وحزبيّ "​القوات​" و"الإشتراكي"، لدفع مُختلف القوى السياسيّة إلى تحمّل مسؤوليّتهافي ظلّ التدهور الحاصل، مع تركيز على مُحاولة إشراك "المُستقبل" بشكل خاص، لكنّ حتى الساعة، من المُرجّح أن تفشل هذه المُحاولة، وما يجري من إعتراضات شعبيّة من مُناصري "المُستقبل" يؤكّد هذا الإتجاه.

ثانيًا: ستجري مُحاولات لإشراك مُمثّلين عن "الحراك الشعبي"، وهذا الأمر يُعتبر من الأهداف الرئيسة لإمتصاص النقمة في الشارع، وحتى الساعة لا يُوجد تأييد لهذه الفكرة من قبل المجموعات المُنتفضة. ويُعتقد أنّه في نهاية المطاف، ستنضمّ بعض الشخصيّات إلى الحُكومة، باعتبار أنّها مُمثّلة للشارع، حتى لوّ جرى تجريدها من حقّ التمثيل هذا، من قبل المجموعات المُنتفضة. وقد بدأ تسريب بعض الأسماء في وسائل الإعلام، بالتزامن مع صُدور مواقف عن المُنتفضين رافضة لحصر "الثورة" ببعض الشخصيّات الساعية إلى تحقيق غايات سُلطويّة على حساب الناس ومطالبهم.

ثالثًا: سيجري أخذ وردّ كبير بين الثلاثي الذي يقود عمليّة تشكيل الحُكومة خلف الكواليس، أيّ كلّ من "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" و"التيّار الوطني الحُرّ"، لتوزيع الحقائب الأساسيّة والخدماتيّة، على الوزراء الإختصاصيّين الذين سيتمّ تقديمهم.وهذا الموضوع قد لا يُشكّل عائقًا كبيرًا، بسبب غياب أحزاب رئيسة عن الحُكومة، ما يعني أنّ حقائب عدّة ستكون مُتاحة للتوزيع وللتقاسم!.

في الختام، الأكيد أنّ المرحلة الأهم هي مرحلة ما بعد تشكيل الحُكومة، وليس عمليّة التشكيل بحدّ عينها، طبعًا في حال بقي رئيس الحُكومة المُكلف، والقوى السياسيّة من ورائه، رافضة للإستجابة للضغوط المُطالبة بالتنحّي. والسبب أنّ تركيبة الحُكومة المُقبلة ستُحدّد ما إذا كانت هذه الأخيرة ستلقى فترة سماح من "الحراك الشعبي" أم لا، وما إذا كانت القوى السياسيّة الداخليّة التي ستبقى خارجها ستلجأ إلى مُعارضة شرسة ضُدّ السُلطة التنفيذيّةأم لا، وكذلك ما إذا كانت الدُول الخليجيّة والغربيّة ستمدّ لبنان بيد المُساعدة أم ستُصعّد ضُغوطها وُعقوباتها عليه؟!.