نعيش الْيَوْم في لُبنان، شتَّى أَنواع الأَلعاب، الخطِرة مِنها والبريئَة... مِن "لُعبة الموت" على الطُّرق، إِلى لُعبة "المُونوبُّولي"، وما يستتبعُها مِن شراءٍ وهميٍّ للعقارات، بأَوراقٍ لا قيمة لها، وبين اللُّعبتَين شتَّى أَنواع الأَلعاب، ومِنها "الدُّومينو"، مجموعة القطع الثّماني وعشرون، على شكلٍ مُستطيلٍ، وكلُّ قطعةٍ مُقسَّمةٍ إِلى جزئَيْن اثنَين، وفي كلٍّ مِنهُما مجموعةٌ من النِّقاط تمثِّل الأَرقام...

لُعبة الموت

لُعبة الموت باتت خُبزنا اليوميَّ... تقودنا إِليها ردَّات الفعل الاعتباطيَّة، حين تُشهر الحُكومة المُستقيلة في وجه الشَّارع، ورقةً وُصفت زورًا وبُهتانًا بالإِصلاحيَّة، في حين إِنَّها أَقرب ما تكون إِلى القنابل الدُّخانيَّة، الحاجِبة للحقيقة المُرَّة...

ويردُّ الشَّارع من جهته –وهُنا لا نقصد مُطلقًا الحراك الشَّريف، بل راكبي موجته من مُشَيْطِنيه– بِرفض كُلِّ مُبادرةٍ لمُجرَّد الرَّفض أَو تلقينًا له أَو عملاً بمُوجب الأَوامر الصَّادرة في هذا المجال!... فبعض "المُتظاهرات" قالأَمام شاشة التَّلفزة: "مِن أَين أَتانا حسَّان دياب، ولا نعرف شيئًا عنه"؟... وقالت الأُخرى، وهي أَقلُّ جهالةً: "كان فاشلاً في وزارة التَّربية فكيف يُؤْتى به رئيسًا مُكلَّفًا تشكيل الحُكومة"؟...

هو الجهل القاتل: حين نحكُم على الأَشخاص انطلاقًا من إِيعازٍ هاتفيٍّ حزبيٍّ، أَنْ "انزلوا الآن إِلى الشَّارع"...

والجهل القاتل أَيضًا، حين نشطب بِكلمة الجَهالة تاريخًا أَكاديميًّا ناصعًا، وبكلمة الافتراء يدًا غير مُلوَّثةٍ، وحين نصبغ افتراءً غيرنا بصبغةٍ ما زال لونها يكسونا، ونظنُّ أَنَّ الآخرين لا يرَوْنه!.

نسلك لُعبة الشَّاراع، والشَّارع المُقابِل، وهما ليستا حُكمًا مِن أَلعاب ​الحياة​، فنقود ناسنا وأَهلنا إِلى ما لا تُحمَد عُقباه!...

المُونوبُّولي

تسكن الجَهالة فينا، تأْكُل مِن خُبزنا اليوميِّ، وترتشف من فُنجان قهوتنا، وتجرد أَخضر عملتنا الوطنيَّة ويابسَها، إِلى أَنْ أَضحت اللِّيرة عندنا كأَوراق لُعبة "المُونُوبُّولي" إِذ يُمكننا شراء العقار بالمبلغ "المطبوع على اللَّوحة"، والحُصول من "البنك" على ورقة سند المُلكيَّة، ولكنَّ ​المال​ مُزيَّفٌ و​العقارات​ خديعةٌ ورقيَّةٌ، فيما الواقع أَنَّنا نستجدي -عند الاستحقاق- من المصرف، فَتافيت أَموالٍ استودعناه إِيَّاها فأَساء هو الأَمانة!... فيما السِّكك الحديديَّة والشَّركات، أَفضل حالاً في "المُونُوبُّولي" مِن الشَّركات الشَّاهرةِ إِفلاسها عندنا!.

والمُنافسة في "المُونوبُّولي"، حيث يُفضِّل أَنْ يشتري اللاعب كُلَّ عقارٍ يمرُّ عليه، كيْلا يحصل الآخرون عليه بسعرٍ أَرخص، أَيضًا أَفضل حالاً، ففي الواقع إِفلاسٌ عامٌّ، إِذ يكون "أَبا زيد خاله"، مَن يُؤمِّن "خبزه كفاةَ يومه"!.

في "المُونُوبُّولي" يتمُّ تحصيل 200 دولارٍ، عند المُرور في "خانة البداية"، وفي الواقع يحقُّ لنا بـ200 دولارٍ أُسبوعيًّا، من حقِّنا في استرداد ادِّخاراتنا من المصارف!. وفيها أَيضًا إِمكان أَنْ يسحب اللاعب بطاقة الفُرصة، وأَمَّا شعبي المسكين فلا فُرص أَمامه، وإِنْ وُجدت، فنحن نُؤْثر حرقها في إِطارٍ مطَّاطيٍّ!.

الدُّومينو

ومِن "المُونُوبُّولي" إِلى "الدُّومينو"، حيثُ يُحاول الجميع إِنزال كُلِّ القطع الَّتي لديهم قبل الآخرين... تلك أَيضًا حال بعض السِّياسيِّين عندنا، الَّذين يرمون بِأَوراق فسادهم في وجه مُنافسيهم، كما ويُحاولون القفز فوق الفضائح الاختلاسيَّة، والتَّنصُّل من المسؤوليَّات في أَحلك الظُّروف!... وكما ويُحاول لاعب "الدُّومينو" رمي الأَرقام المُرقَّطة على المُستطيل، يجهد ​الفاسد​ عندنا في "ترحيل" المبالغ المرقُومة من اختلاساته إِلى مصارف الخارج!... ومَن يُنقذ مسروقاته بترحيلها، فقد ظنَّ أَنَّه أَنقذ نفسه من قانون "مِن أَين لك هذا" وبِالتَّالي من التَّهلكة؟.

لكأَنَّ الحياة باتت عندنا لُعبةً مُملَّةً لأَن الأَلعاب ومهما كانت مُغرية، فإِنَّها إِذا ما طالت فهي تستحيل إِدمانًا، أَو أَنَّها تُشعرنا بالملل... وفِي الحالين هي بمثابةِ إِعدامٌ للوقت، وما يسرق وقتنا فقد سرق حياتنا!.

أَلعابُ العيد

هكذا هو عيد ميلاد السَّيِّد ​المسيح​، عندنا، هذه السَّنة: أَلعابٌ شيطانيَّةٌ تُشغلنا عن المُخلِّص، بدلاً مِن أَنْ تكون قلوبُنا مَغارةً لاستقباله، وأَمَّا أَلسنتُنا فاستبدلَت بِالشَّتيمة والافتراء... ما كان ينبغي أَنْ تنطق به من ترنيمٍ يُمجِّد الله الفادي!.