نلاحظ في الزمن الميلادي ذكرا كثيفا لأنبياء من العهد القديم في النصوص الليتورجيّة والقراءات الكتابيّة المتعلّقة بها. هذا الغنى الليتورجيّ الكبير يعبّر عن النبوءات الكثيرة، التي تحقّقت بمجيء المخلّص في التجسّد الإلهيّ، الذي هو ظهور الله في الجسد.

إنّ الحضارات القديمة قبل المسيح عرفت كلّها أشخاصًا يستطلعون الغيب بشتّى الطرائق: فالعرّاف (مِن فعل عَرف) والمبصِّر (الذي يُبصِر) هما يتكهّنان الماورائيّات بالورق tarot أو الكفّ والفنجان وضارب المندل وما شابه، والمنجّم أي من ينظُر في النّجوم، وعالم الأبراج، هو من يحسُبُ مواقيتَها وسيرها في الفلَك، فيستطلع أَحوالَ الكون. والرائي يرى الغيب بالحدس الداخليّ. وكان للمنجّمين والعرّافين دور كبير في الحروب و​السياسة​ وأمور أخرى، فإذا أصابوا كوفئوا وإذا أخطأوا عوقبوا. كما كانوا يُعتبرون أنبياء الآلهة الوثنية، لا سيّما الكهنة منهم، فيقصدهم الناس ويدفعون لهم أموالًا مقابل تنبؤاتهم.

1-تعريف

في الإيمان المسيحيّ، النبوءة هي إعلان كلمة الله بواسطة الروح ​القدس​ ودعوة للعودة إلى طريق الربّ بالتوبة. وقد منّ الله على بعض القدّيسين بموهبة التنبّؤ ب​المستقبل​ لمجد الله.

هذا ما تشهد له صفحات ​الكتاب المقدس​ بعهديه. حتّى إنّ الأسفار النبويّة هي 16 (4 أنبياء كبار و12 صغار) في العهد القديم، فيما تشهد أعمال الرسل ورؤيا يوحنا وسيَر القدّيسين للنبوءة في العهد الجديد (القديسون دانيال العمودي وباييسيوس المصريّ (بيشوي) قديمًا، وباييسيوسالآثوسيّوبورفيريوس الرائي حديثًا).

-جذر الفعل

الفعل في اليونانيّة προφητεύω أي προ قبل، φησινphēsin أقول، فيصبح المعنى "أقول قبل" أي أتنبأ.

2-في الكتاب المقدّس

تكلّم الكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد على أنبياء الله الذين أعلنوا بالروح القدس عن مجيء المخلّص والتدبير الإلهيّ، وأخبروا عن أمور ستحصل في المستقبل. كما نطقوا بتعاليم إلهيّة وحذّروا الناس من العقاب وحثّوهم على التوبة والعودة إلى الله، كما نقرأ في الرسالة إلى العبرانيّين:"إِنَّ اللهَ، فِي الأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ، كَلَّمَ آبَاءَنَا بِلِسَانِ الأَنْبِيَاءِ (الَّذِينَ نَقَلُوا إِعْلاَنَاتٍ) بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ وَمُتَنَوِّعَةٍ"(عبرانيين 1:1).

-النبوءة في العهد القديم

نقرأ في أحداث العهد القديم عن أنبياء كُثُر أعلنوا كلمة الله للشعب، وكانت سيرتهم فاضلة من رجال ونساء. أوّل من دعي نبيًّا كان إبراهيم، إذ قال الله لأبيمالك عنه "إنَّهُ نَبِيٌّ فَيُصَلِّيَ لأجْلِكَ فَتَحْيَا"(تكوين ٧:٢٠).

ونعرف مِن سِيَر الأنبياء كم تعرّضوا للاضطهاد، فيقول بولس الرسول عنهم: "رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلًا بِالسَّيْفِ"(عبرانيين ٣٧:١١-٣٨). كان هذا كلّه من أجل الإيمان الحق، لأنّ بعض الملوك كان يستمع لأنبياء كذبة فيضلّ عن كلام الله ويرفضه.

يُحسَب القدّيس يوحنا المعمدان آخر أنبياء العهد القديم، بمعنى أنّه آخر نبيّ أعلن عن مجيء الرّبّ ​يسوع المسيح​.

في العهد القديم ما يزيد على ثلاثمئة نبوءة عن المسيح الرّبّ المخلّص، ولعلّ أشهر الأنبياء هو إشعياء النبيّ الذي يُلقَّب سفره ​الإنجيل​ الخامس.

-النبوءة في العهد الجديد

استمرّت النبوءة بالروح القدس في العهد الجديد. فالرسل كانوا أنبياء، وهذا الأمر مستمر مع كثير من القديسين لأن الروح القدس هو روح نبوءة (بورفيريوس الرائي، بايسيوس...).

هذا تحديدًا ما قاله بطرس الرسول في عظته يوم العنصرة مستشهدًا بيوئيل النبيّ "يقول الله: أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون"(أعمال ١٧:٢).

يذكر أعمال الرسل أنبياء انحدروا من أورشليم إلى أنطاكية، ويخص أغابوس الذي تكلّم على مجاعة آتية(أعمال ٢٧:١١-٢٨)، كما يورِد أنبياء ومعلّمين فِي أَنْطَاكِيَةَ(أعمال ١:١٥)، منهم يهوذا وسيلا(أعمال ١٥: ٣٢) والبنات الأربع لفيلبس المبشّر، أحد الشمامسة السبعة(أعمال ٢١: ٨-٩).

إذًا النبوءة في المسيحيّة هي لبنيان الكنيسة، لأن مصدرها روح الله نفسه "مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ"(١كورنثوس ٤:١٤). هي موهبة من مواهب الروح القدس التي ذكرها القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس(إصحاح12). ولكنّه يتابع أنّ هذه الموهبة لا تكتمل من دون المحبّة(إصحاح 13).

وروح الله نفسه الذي تكلّم في أنبياء العهد القديم، يختار خدّامًا للمسيح أمثال شاول (بولس) وبرنابا (أعمال ٢:١٣)، تيموثاوس (١تيموثاوس ١٨:١ – ١٤:٤) ويقود الكنيسة.

-الأنبياء الكذبة

النبوءة مرتبطة حكمًا بالروح القدس، ومن دونها يكون الإنسان في ضلال شيطانيّ.

نجد في الكتاب المقدّس ذكرًا لأنبياء كاذبين، يضلّلون الناس ويدّعون معرفة الغيب باطلاً. ونلاحظ أنّ الله كان يتشدّد كثيرًا في حرصه على نزاهة أنبيائه وأمانتهم في إعلان كلامه. كما أنّه وبّخ الشعب مرارًا لأنّهم لجأوا إلى العرافة أو أطاعوا الملوك ولم يثقوا به. يا لأسف الشديد، ما زال كثيرون اليوم يؤمنون بأشخاص يتنبأون خارج روح الله، مثل العرّافين والمنجّمين وسواهم. طبعًا، هذه كلّها خرافات.

في عهد النبيّ إيليّا مثلًا، جمع الملك أخاب أربعمئة رجل من الأنبياء الكذبة ليأتوا بنبوءات على خاطره بعكس مشيئة الرب (٢أخبار ١٨: ٤-٧). الأمر نفسه يحذّر مِنه بولس الرسول تيموثاوس فيقول له: "سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ"(٢تيموثاوس 4: 3-4).

وقد حذّرنا الرب بوضوح تام ودعانا إلى تمييز الثمار الجيّدة من السيّئة: "احْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ الْحُمْلاَنِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ"!(متى ٧: ١٥).

وفي كلامه على اليوم الأخير قال الرّب: "سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً" (متى ٢٤: ٢٤).

الختام مع سفر الرؤيا الذي يتكلّم على "النَّبِيِّ الْكَذَّاب" الذي يضل الشعوب لكنّه ينهزم أمام الله(أنظر رؤيا ١٣:١٦).

في الخلاصة هناك تحذير الله لنا من الوقوع في الأضاليل وفخاخ الشيطان والنبوءات الكاذبة مستمر" أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لا تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ"(١ يوحنا ١:٤-٣).

في النهاية، النبي هو مًن يعلن كلمة الله ولا يقول شيئًا من عنده، لأن المسيح هو حجر الزاوية وكل شيء مؤسس عليه(أفسس ٢٠:٢)". فلنقل مع ميخاالنبيّ(٦٩٣-٧٥١ ق.م): "حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّ مَا يَقُولُهُ إِلهِي فَبِهِ أَتَكَلَّمُ"(٢أخبار ١٣:١٨).