هل نقول وداعاً بشكل فعلي لاحزاب وتيارات 8 و​14 آذار​؟ تم الاعلان اكثر من مرة خلال السنوات الاخيرة عن وفاة هذين التيارين السياسيين، انما لم يحدث ان دفنا تحت التراب في اي من هذه المرات. اما اليوم، فيبدو ان الروح ستغادر بشكل فعلي الطرفين، وستخلط الاوراق بشكل يؤدّي الى خريطة سياسية لبنانية جديدة، لن يعود معها الكلام عن ايّ من الرقمين المذكورين. نحن اذاً امام حقبة جديدة بعد نحو 14 سنة على ولادة التيارين السياسيين، تعرضا خلالها للكثير من الخضات وتمكنا من تجاوزها بطريقة او بأخرى، الى ان وصلنا الى نهاية العام 2019. وعلى عكس ما يقال ويتم توقعه، قد يكون الانجاز الاول لرئيس الحكومة المكلف ​حسان دياب​ بعد اعلان حكومته، نهاية رسمية لطرفي 8 و14 آذار، وتموضع سياسي جديد لن يعرف تاريخ انتهائه قبل معرفة كل التطورات التي سنشهدها خلال العام المقبل. وفي نظرة الى الواقع الحالي للاحزاب الرئيسية، نجد ان العقد متنوعة وكثيرة:

-​تيار المستقبل​: انفصال عن ​التيار الوطني الحر​، خصام مع ​القوات اللبنانية​، حذر من ​الحزب الاشتراكي​، طريق سالكة مع ​حركة امل​ (رئيس مجلس النواب نبيه بري)، علاقة بعيدة عن الاضواء مع ​حزب الله​، علاقة رسمية مع "المردة" و"الكتائب". اضافة الى علاقة متردّية تماماً مع رئيس الجمهورية.

اما على الصعيد الحزبي، فسيحاول رئيس التيار سعد الحريري اعادة شد العصب واستعادة ما فقده خلال السنوات الماضية.

-التيار الوطني الحر: انفصال عن تيار المستقبل، خصام مع القوات اللبنانية، خصام مع الحزب الاشتراكي، طريق سالكة مع حزب الله، علاقة متقلّبة مع حركة امل، خصام مع "المردة" وتوتر مع "الكتائب"، علاقة ممتازة مع رئيس الجمهورية. اما على الصعيد الحزبي، فسيحاول رئيس التيار جبران باسيل الحفاظ على ما ربحه منذ وصوله الى الرئاسة حتى اليوم، رغم الانشقاق الذي ساد، وسيكون الاعتماد بشكل رئيسي على الدم الجديد الذي دخل الى التيار.

-القوات اللبنانية: خصام مع تياري المستقبل والوطني الحر، علاقة متقلّبة مع الحزب الاشتراكي، علاقة "مقبولة" مع حركة امل، علاقة رسميّة مع حزب الله (مع الاحتفاظ بحق الانتقاد عند اللزوم دون وصول الامر الى حد الخلاف انما يبقى السقف حدود الاختلاف في الرأي)، مع المحافظة على الطابع الرسمي مع "المردة" و"الكتائب". اضافة الى ذلك تم زيادة الخصام مع رئيس الجمهورية.

وعلى الصعيد الحزبي، يعمل رئيس الحزب سمير جعجع جاهداً لزيادة غلته من المؤيدين والمنتمين من اجل تعزيز مكانة القوات في السياسة عبر التأييد الشعبي، والتحضير بشكل اكثر جدية للانتخابات النيابية المقبلة.

-حركة امل: قد يكون وجود بري على رأسها العامل الوحيد الذي يميزها عن غيرها من الاحزاب والتيارات، لجهة اعتباره من قبل الجميع بمثابة الشخص الذي لا يجب قطع الخيوط معه، وعليه فإن الحركة تحافظ، من خلاله، على روابط اقلها بصفة "مقبول". هذا هو الوضع مع كل من تياري المستقبل والوطني الحر، وحزبي القوات اللبنانية والكتائب، فيما العلاقة قوية مع حزب الله، ومتينة مع كل من الحزب الاشتراكي و"المردة".

يحاول بري من خلال تحركاته واتصالاته، ان يبقي على صورة الحركة على حالها خصوصاً في ظل العاصفة السياسية التي تهب على لبنان حالياً.

-حزب الله: لعله الحزب الوحيد الذي يبقي خطوطه مفتوحة مع الجميع، انما يبقى ايضاً على مسافة يختلف حجمها وفق الرؤية السياسية. ليس هناك من مفاجآت في تعاطي الحزب مع الاحزاب الرئيسية، والهم المشترك يبقى في ابعاد شبح الفتنة السنية-الشيعية، والفتنة الشيعية-المسيحية وتحوّلها الى مواجهة اسلامية-مسيحية. عدا عن ذلك، تبقى علاقته مع الآخرين كما هي دون تغيير.

ويسعى الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الى المحافظة على الستاتيكو الحالي للخريطة السياسية للحزب، على ان يتأقلم مع اي معطى جديد قد يطرأ.

في المحصلة، ليس من الممكن تعداد كل الاحزاب والتيارات السياسية في لبنان، ولكن هذه العيّنة كفيلة باعطاء صورة واضحة عن الواقع الجديد للحياة السياسية في ظل دخول عامل جديد على الخط هو عامل محاربة الفساد الذي قد لا ينجح وفق التصور الذي يريده اللبنانيون، انما قد تتحقق خطوات بسيطة منه تكون كفيلة بإراحة قلوب العديد من المواطنين ودفعهم الى ابقاء الامل بلبنان.