قبل نهاية العام 2018، طرحت "النشرة" في تقرير إستشرافي مجموعة من الملفّات، توقعت أن تكون حاضرة بقوة في العام 2019، أبرزها الأزمة الحكومية التي كانت سائدة في حينه على خلفيّة الخلافات التي رافقت ولادة حكومة تصريف الأعمال الحاليّة، وما ترتب عليها من تداعيات اقتصاديّة واجتماعيّة كانت سبباً في الدعوة إلى تحركات شعبية في الشارع، بالإضافة إلى الموقف من التحولات القائمة على مستوى الأزمة السوريّة، مع بدء الاستدارة العربية نحو دمشق، من دون تجاهل التوترات بين الأفرقاء المحليين، التي تمثلت بالصراع على الصلاحيات وبروز أعراف جديدة على مستوى الحكم وإدارة مؤسسات الدولة.

قبل نهاية الشهر الأول من العام 2019، ولدت حكومة تصريف الأعمال برئاسة ​سعد الحريري​، لكنها لم تعمّر طويلاً نتيجة الضغوط التي فرضتها الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول، على اثر المعلومات عن التوجه إلى فرض رسم على خدمة "الواتساب"، لتفتح الباب أمام موجة واسعة من التساؤلات التي تشغل بال كل مواطن ​لبنان​ي، في ظل الظروف الإقتصادية والإجتماعية المعقدة.

كما في بداية العام الحالي، من المتوقع أن يكون الملف الحكومي هو العنوان الأساسي في الشهر الأول من العام 2020، نظراً إلى سقوط التوقعات بنجاح رئيس الحكومة المكلف ​حسان دياب​ في تشكيل حكومته بشكل سريع قبل بداية العام المقبل، في ظل العراقيل التي تسيطر على المشهد العام، والتي قد يكون أبرزها الموقف السنّي، بعد رفع لواء الميثاقية بوجهه من قبل رؤساء الحكومة السابقين: فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، بالإضافة إلى سعي رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى الإنقلاب عليه في الشارع، للعودة إلى السراي الحكومي.

هذا الموضوع، من المتوقع أن يتظهر تباعاً في الأيام القليلة المقبلة، في ظل المعلومات عن إمكانية تحريك الشارع في وجه رئيس الحكومة المكلّف، الأمر الذي يدفع إلى طرح علامات إستفهام حول ما إذا كانت البلاد ستكون أمام أزمة حكومية فقط أو أمام أزمة حكم تتعلق بالنظام الذي ولد على اثر ​إتفاق الطائف​، خصوصاً مع العناوين الكبيرة التي طرحت بعد الإنتفاضة الشعبية التي رفعت لواء "كلن يعني كلن"، والتي لم تنجح، حتى الآن، في بلورة إطار معين من الممكن أن يساعد في إستشراف المدى الذي قد تذهب إليه، لا سيما مع عودة القوى السياسية إلى السيطرة على المشهد.

على هذا الصعيد، الخطورة الأساسية تكمن بأن الظروف الإقتصادية والإجتماعية لا تسمح بإعطاء هامشاً واسعاً من المناورة، خصوصاً أن الأزمة كانت قد بدأت منتصف العام، أي ما قبل الإنتفاضة الشعبية، وتمثلت بالتدهور في سعر ​الليرة اللبنانية​ مقابل ​الدولار​ الأميركي، الأمر الذي كان له تداعيات كبيرة على مستوى إستيراد السلع الأساسية، من البنزين إلى القمح إلى الدواء والمستلزمات الطبية، وفتح الباب أمام طرح عناوين جديدة في الحياة العامة، بدأت من إستعادة ​الأموال المنهوبة​ لتتدنى إلى إستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج من قبل بعض الشخصيّات النافذة، خصوصاً في ظلّ الأزمة التي رافقت ​الحراك الشعبي​، المتعلقة بقدرة المودعين على الوصول إلى أموالهم.

حول هذا الموضوع، ربط الكثيرون بين هذه الأزمات، التي اعتبرها البعض مفتعلة، والموقف اللبناني الرسمي من ملفّات المنطقة، لا سيما في ما يتعلق بالأزمة السورية، خصوصاً أن تفجرها جاء مباشرة بعد مواقف كان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ قد أعلن عنها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولاحقاً رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ في ذكرى 13 تشرين، تمثلت بتأكيد الأخير بأنه ذاهب إلى ​سوريا​ لمعالجة الملفات العالقة بين البلدين، في حين من المتوقع أن تكون الملفات نفسها ضاغطة أمام أي حكومة جديدة من الممكن أن تولد في العام 2020، سواء كانت برئاسة دياب أو غيره من الشخصيات السنية.

وسط هذه الفوضى القائمة على المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمالية، برزت في نهاية العام بارقة أمل في الأفق، يرى البعض أنها جزء من أسباب الأزمة الراهنة، تتمثل بإقتراب موعد حفر أول بئر نفط في لبنان، من المفترض أن يكون في الشهر الأول من العام 2020، بعد أن سلّمت وزيرة الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ندى البستاني رخصة الحفر لكونسورتيوم "توتال ايني نوفاتيك".

على المستوى الأمني، مع إستمرار تراجع خطر الجماعات الإرهابيّة، الذي شغل بال اللبنانيين في السنوات الماضية، برز تحول على معادلة الصراع مع اسرئيل، تمثل بدخول حرب الطائرات المسيّرة على الخط، بعد أن هزّ، يوم الأحد في 25 آب، صوت انفجار أحياء الضاحية الجنوبية، نتيجة سقوط طائرة مسيّرة قرب مكتب العلاقات الإعلامية في "​حزب الله​" في منطقة معوّض، الأمر الذي أدى إلى تبدل قواعد الإشتباك بين الحزب و​تل أبيب​، بعد الرد عبر استهداف آلية اسرائيلية بصاروخين موجهين، تلاه عمليتين لاسقاط طائرتين مسيرتين اسرائيليتين احداهما باءت بالفشل.

وفي حين لا يمكن تجاهل التداعيات التي رافقت حادثة قبرشمون، في 30 حزيران، بعد إطلاق النار على موكب وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال ​صالح الغريب​، على اثر جولة كان يقوم بها رئيس "التيار الوطني الحر" في منطقة عاليه، أدت إلى تعطيل مجلس الوزراء ما يقارب الشهرين، لا يمكن أيضاً تجاهل التوترات التي رافقت عمليات ​قطع الطرق​ على هامش التحركات الشعبية في الشارع، والتي أدت إلى سقوط عدد من الضحايا.

وقبل تفجر الإنتفاضة الشعبية في الشارع، كان لبنان قد شهد موجة واسعة من ​الحرائق​، في 15 تشرين الأول، مسرحها الأساسي كان في جبل لبنان لا سيما بلدتي المشرف والدامور، أظهرت عجز أجهزة الدولة عن التعامل مع أزمة من هذا النوع، وتأكد هذا العجز لاحقاً في مواجهة الفياضانات التي شهدتها الطرقات اللبنانيّة مع هطول الأمطار في بداية شهر كانون الأول الجاري.

إنطلاقاً مما تقدم يمكن الإشارة إلى جملة من العناوين التي من المفترض أن تتوضح في الأشهر الأولى من العام المقبل، والتي من الممكن أن تطبع باقي أشهر السنة نفسها، مع العلم أن إستشراف المدى الذي قد تذهب إليه قد يكون من الصعوبة بمكان بلوغها إلى حد المستحيل:

-هل ينجح رئيس الحكومة المكلف حسّان دياب بتجاوز العراقيل التي تقف في وجه نجاحه لتنفيذ المهمة الموكلة إليه، وكيف سيكون موقف الشارع السني من هذه الحكومة فيما لو استمرت مواقف القوى والشخصيات المؤثرة فيه على حالها؟.

-هل سيتمكن لبنان من إستكمال مسار عملية التنقيب عن البترول، الذي كان قد بدأ بشكل رسمي قبل نهاية العام الحالي، والذي من المتوقع أن يكون له تداعيات على مختلف الأوضاع العامة، خصوصاً أن العديد من العوامل الإقليمية والدولية من الممكن أن تدخل على هذا الخط؟.

-كيف سيكون التعامل الرسمي مع مسار الأزمة السوريّة، لا سيما مع تفاقم أزمة ​النازحين السوريين​ في ظل أوضاع إقتصادية وإجتماعية صعبة على المستوى المحلي، وبالتالي من غير المتوقع أن تبقى هذه الأزمة ضمن الحدود التي عرفتها في السنوات الماضية؟.

-كيف سيتعامل لبنان مع موجة الضغوطات الخارجية، لا سيما الأميركية، التي كانت مجمل المعطيات توحي بأنها كانت سبباً في رفع حدة موجة الإحتجاجات التي برزت في الأشهر الأخيرة من العام، على خلفية الخلاف حول ​ترسيم الحدود​ مع ​إسرائيل​، خصوصاً إذا ما كانت جزءاً من مسار عام سيستمر في المرحلة المقبلة؟.

في المحصلة، العنوان الأساسي لمسار الأزمة اللبنانية المتعددة الأوجه يتعلق بكيفية الخروج من المعضلة الحكوميّة الراهنة، التي ستفتح الباب لفهم كيفيّة تعامل القوى الخارجيّة المؤثّرة مع الحكومة الجديدة، لا سيما على مستوى المساعدات التي وعد بها لبنان في مؤتمر "سيدر"، الذي سبق الإنتخابات النّيابية في شهر أيار من العام 2018، لكن بالتزامن لا يمكن النظر إلى هذه المعضلة من دون التطور الأبرز في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي تمثل بسقوط التسوية السياسية مع تيار "المستقبل"، بعد سقوط تفاهم معراب مع حزب "القوات اللبنانية"، بالإضافة إلى إستمرار التوتر في العلاقة مع كل من "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" و"​تيار المردة​".

ضمن هذا السياق، من الطبيعي وصف العام 2019 بأنه عام التحولات التي تفتح الباب على المجهول، نظراً إلى أن الأزمة التي تشهدها البلاد غير مسبوقة منذ إعلان تأسيس دولة لبنان الكبير في العام 1920، والتي قد لا يكون من باب الصدفة أنها جاءت مع إقتراب الذكرى المئوية لهذا التأسيس.