حذر رئيس الحكومة الاسبق النائب ​تمام سلام​ من "أن ما يزيد من حراجة المرحلة في لبنان هو المقاربات الخاطئة وغير المسؤولة لما نواجهه، بدءاً من التعاطي مع صرخة الناس التي عبّر عنها الشارع في حِراكه أو انتفاضته أو ثورته، فما شهدناه لم يكن وليد ساعته أو أتى من فراغ أو نتيجة انفعال فكري أو إجرائي، إنما جاء بسبب تَراكُم لسوء الأداء والممارسة، وخصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة مع بدء ولاية ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​".

وفي حديث لصحيفة "الراي الكويتية"، اعتبر سلام ان "ما يضاعف من خطر ما نواجهه الآن هو مكابرة المسؤولين عما وصلْنا إليه وإنكارهم الذي لم يوّلد سوى الإرباك والمزيد من سوء التصرف، إلى أن بَلَغْنا ما نحن عليه الآن"، مشيراً الى ان "رئيس حكومة تصريف الاعمال ​سعد الحريري​ ليس في منأًى في مكان ما عن الخطأ أو سوء التقدير أو التقصير، وبذل في الأعوام الأخيرة جهداً كبيراً ومُضْنِياً من خلال مواقفه الإيجابية والبنّاءة لإنقاذ البلاد ودعم مسيرة النهوض بالدولة، ودَفَعَ أثماناً من خلال اتهامه بتقديم تنازلاتٍ كثيرة، وكانت نياته طيبة وإرادته انصبّت على محاولة تحقيق إنجازات، لكنه لم يحظ بأي تعاون من الآخرين الذين مارسوا التعطيل والاستئثار واعتمدوا خطاباً توتيرياً فتْنوياً وعملوا على نكء الجراح ونبش القبور".

ولفت سلام الى أن "الإتيان برئيس الحكومة المكلف ​حسان دياب​ لتشكيل الحكومة وملابسات تسميته يقابل بما هو أكثر من اعتراضٍ سني، وهناك غضب عند السنّة بفعل ما تم اعتماده من تكليفٍ مُعَلَّبٍ لدياب وبالرغم عنهم. دياب، أستاذ جامعي وسبق أن تبوأ مركزاً وزارياً قبل نحو ثمانية أعوام لكن لا مكانةَ له في الشأن العام ولا وزن سياسياً، وهم يقاربون الأمر وكأننا في أزمة سياسية عادية وفي حال استقرار تَنْعَمُ بها البلاد، في حين أن الأوضاع غير ذلك، فنحن في مخاضٍ عسير وفي عيْن أخطار كبرى تتهدّدنا، وليس أقلّها الخطر الاقتصادي - المالي غير المسبوق، وأن هذه الأخطار تملي المجيء بشخصية من الوزن الثقيل إلى رئاسة مجلس الوزراء، تكون مميّزة وقادرة ولها مكانتها، ليس فقط في ​الطائفة السنية​ بل في كل الوطن، شخصية تؤمّن تَوازنا مع رئاستي الجمهورية ومجلس النواب، وهو ما يحدث عكسه الآن، فنحن أمام عملية معلّبة للإتيان بحكومة مشكوك بشرعيتها السياسية ولا توحي بالثقة في الداخل ولا في الخارج، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ما يتم فرضه على الرئيس المكلف من الذين أتوا به"، كاشفاً بأن " الاعتراض السني متمظْهر الآن بقوة في الكثير من التحرّكات الشعبية، في الشارع وفي المنتديات ولدى مختلف الأوساط، فالشعور بالغبن والإحباط والغضب موجودٌ بعمق لدى هذا المكوّن السني وتالياً فإن محاولة تَجاهل وتجاوز وإهمال هذا الواقع لن نجني منه خيراً في البلد، اما بما يخص الاصطفاف المسيحي بوجه عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة في ضوء موقف ​التيار الوطني الحر​ و​القوات اللبنانية​، فإن هذا الامر أُخضع لمزايدات مسيحية - مسيحية لا أكثرّ ولا أقلّ، لأنه لو أخضع لموازين وطنية صِرفة في هذا الوضع الحرج لَأمكن التوصل مع الحريري إلى اتفاق لمواجهة هذه المرحلة".

وشدد ان سلام على ان "​حزب الله​ المتوجّس من استهدافه كقوة إقليمية يعلي الحسابات المرتبطة بالمواجهة في المنطقة، وهذا لا يساعد كثيراً على التوصل مع جميع القوى السياسية في الداخل إلى اتفاق يحفظ التوازنات الوطنية ويحمي التوازن في موقع لبنان، ووما ​الأزمة​ التي نعانيها اليوم في بعض جوانبها إلا في هذا الإطار، فحاجةُ هذا المكوّن إلى غطاء لبناني ومسيحي بالذات، هو ما يساهم في توطيد علاقته مع مكوّن مسيحي وازن إلى حدود تَجاوز الكثير من أخطاء هذا المكوّن. علماً أن هذه الأخطاء تُساهِم في إضعاف الوطن والدولة، ومع ذلك فإن حزب الله ليس في وضْع يمكّنه من التخلي عن هذا التحالف"، مستذكراً "ما سمعه من رئيس الجمهورية ميشال عون من كلام أَفْرج فيه عن إدراك للوضع المتردي في البلاد ولِما وصلت اليه الأمور ولما ينذر بالأخطر إذا تعاظم المأزقُ المالي -الاقتصادي، وهو ما قد يدفع بِنا إلى الفوضى، ومن هنا كان يقول عون إننا بحاجة إلى حكومة أصبح وجودها ملحّاً لمواجهة الأزمة، وخصوصاً لجهة العمل على الحصول على مساعداتٍ من الخارج، موضحاً الى انه "كان قد علق بشكل مقتضب عن عدم تأكده من إمكان مجيء مساعدات في حال تشكيل الحكومة، فكيف الحال إذاً مع حكومة مختلّة التوازن السياسي والوطني وناقصة المشروعية، وذلك رغم قدرتهم على تأمين الثقة لها في مجلس النواب ومحاولتهم إلباسها قناع التكنوقراط، وإن حكومةً من هذا النوع لن ترمّم الثقة المفقودة بين الناس والدولة في الداخل ولن تشكّل رسالةَ ثقةٍ بلبنان في الخارج، إن بالنسبة إلى ​المجتمع الدولي​ أو بالنسبة إلى الدول العربية، ولا سيما الخليجية التي لطالما اعتمد لبنان على دعْمها في الماضي، فلا يمكن للبنان الإطلالة على الخارج واستعادة الثقة به إلا من خلال حكومة تترأسها شخصية وازنة وموثوقة وذات صدقية".

ويخشى سلام "في ظلّ هذا الإنكار المتمادي لما ينبغي أن تكون عليه مواقف المسؤولين والمرجعيات والقوى السياسية، من تَعاظُم الأخطار على نحو أكثر فداحة وكارثية، فالخطر كبير جداً وقد نصل في غضون شهرين أو ثلاثة وليس أكثر إلى وضعٍ، يسمونه في التعبير السياسي الدولة الفاشلة، فعندما تفشل الدول، يدهمها الانهيار ويحدث الخراب ونصل إلى المحظور الذي لا يتمناه أحد، و ثمة رهان على إمكان تَكَيُّف اللبناني في مواجهة الأزمة، لكن علينا أن نزوّده بالحدّ الأدنى من القدرة على الصمود"، لافتاً الى انه "عندما عطِّلَتْ البلاد لعامين ونصف عام للمجيء بالعماد ميشال عون إلى الرئاسة حافظنا على الحد الأدنى من الدور للدولة في ضخّ ما يحتاجه المواطن لتَجاوز تلك المرحلة الصعبة، لكن الآن يحصدون ما زرعوه من سوء أداء وسوء ممارسة، ويتلهّون بالحملات على حاكم ​المصرف المركزي​ الذي بح صوتُه من الصراخ وهو يناشد كبار المسؤولين والقادة السياسيين العمل على حلّ المشكلات السياسية التي ترْهق الواقعَ المالي والنقدي ويحذّر من أن الأمور قد تخرج عن السيطرة، حتى أنه صار يجتمع أسبوعياً مع رئيسيْ الجمهورية والحكومة... لستُ في صدد الدفاع عن بعض الإجراءات المالية التي اتُخذت تحت وطأة الأحداث السياسية، لكن المسؤول عما حلّ بِنا هو الأداء السياسي الذي مورس على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة خصوصاً، فثمة فريقٌ أساسي في البلاد، يحلو له تحت عنوان الإصلاح والتغيير، ممارسة عكْسه تماماً، فهو لم يَعْتَمِدْ إلا العرقلة والتعطيل في مقاربته للأمور منذ نشأته وحتى اليوم، وهذا الواقع شكّل عاملاً داخلياً أحْدَثَ اختلالاً وتقهقراً وتالياً أفسح المجال أمام تدخّلاتِ الخارج".

وأكد "غيضٌ من فيض هذا السلوك يتمثّل في مسألة الفساد التي يكْثِرُ هذا الفريق الحديثَ عنها، وبعدما وضعوا يدَهم على بعض القضاء، يركّزون هجماتهم على استهداف شخصياتٍ معيّنة على نحو كيدي وغير مُطَمْئن وينطوي على تصفية حسابات، وهم يرفعون شعارات القضاء على الفساد فيما "الشمس طالعة والناس قاشعة"، والناس يريدون قضاء مستقلاً عصياً على التوظيف والاستخدام، لنبني وطناً، وهذا السلوك القائم على الاستئثار والحقد والثأر من القوى السياسية الأخرى، يفسح المجال أمام عوامل أخرى خارجية لتأخذ مداها في لبنان وتَفْرض عليه ما يَخْدم مشاريعها".