حلّت المستجدات الداخلية والخارجية دفعة واحدة، وألقت بثقلها على "​الثنائي الشيعي​" في لبنان، من وقع إستقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، إلى إعتذاره عن القبول بتكليفٍ لتأليف حكومة جديدة، مروراً بشروط رئيس الحكومة المكلّف ​حسان دياب​ الذي لا يزال يصرّ على تنفيذ رؤيته الحكومية، وصولاً إلى محطة إستهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ​قاسم سليماني​، وتوقع حصول تداعيات اقليمية سلبية لها.

أظهر كل من "​حزب الله​" و حركة "أمل" تماسكاً واضحاً في التعامل مع كل تلك الأحداث، رغم إنسحاب الحريري ورئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ من مشهد المسؤولية الحكومية والسياسية، وتركِ "الثنائي الشيعي" والتيار "الوطني الحر" وحدهم في موضع المسؤولية و المساءلة بشأن إخفاق السياسات الإقتصادية التي إعتمدتها الدولة منذ عقود. ليقتصر الأمر على تنبيه الأمين العام لحزب الله ​السيد حسن نصرالله​ أي مسؤول من الإنسحاب والهروب من واجب تحمّل المسؤولية. لكن لا ترجمة للتنبيه، بسبب رمي الحريري الكرة في ملعب غيره، عندما حاول فرض شروط التكنوقراط في حكومته المفترضة ولم ينجح، فتنحّى جانباً بعذر. أمّا جنبلاط فيخوض لعبة التخفّي الحكومي: يريد فرض وزير وحقيبة الآن، ويغسل يديه علناً من تلك الحكومة المنتظرة. هذا بالذات ما إستدعى تبادل التغريدات الساخنة بين الحريري وجنبلاط بالتلميح والتصويب.

أمام تلك المعطيات، كان "الثنائي الشيعي" يرضخ لمطالب دياب المكلّف ب​تأليف الحكومة​، بإستبعاد وزراء حاليين وسابقين عن التركيبة الجديدة، لكن عدم إدخال وزراء مسيّسين جُدد، سيُدخل الثنائي المذكور بإرباك مفتوح، بإعتبار أنهما تعوّدا على تمثيل سياسي من النوع الثقيل: الوزيران ​علي حسن خليل​ ومحمد فنيش. بينما الإصرار اليوم على تسمية أخصائيين سيؤدي الى حالة ضياع حكومي على طاولة ​مجلس الوزراء​ لكل من "حزب الله" وحركة "أمل"، بينما يكون التأثير على الآخرين اقل وقعاً.

من سيضع ​البيان الوزاري​؟ هو أول إمتحان وإرباك حقيقي، قد يتم تلقين وزراء التكنوقراط بالنصوص، او البقاء معهم على خط ساخن لفرض مصطلحات وادبيات سياسية تتعلق تحديداً بمسائل إستراتيجية، مما سيضع المعاونين السياسيين لرئيس ​المجلس النيابي​ الوزير علي خليل، وللأمين العام لحزب الله ​حسين الخليل​ في حالة إستنفار سياسي وهاتفي دائم لمواكبة الوزراء التكنوقراط التابعين للثنائي المذكور.

من سيضع سقوف السياسة فيما يتعلق ب​النفط والغاز​ والحدود والنازحين والصراع المفتوح مع إسرائيل، وأي مستجدات اقليمية كما حصل في العراق بالساعات الماضية؟ بالطبع يحتاج مجلس الوزراء الى اعضاء يفقهون بألف باء السياسة، ويقدرون على التعبير والتصريح ونقل الموقف من دون زحطات في ظروف حسّاسة الآن، تحتاج الى دوزنة الخطاب الإعلامي والسياسي، وهو أمر سيسبّب غيابه ارباكات متتالية، وتحديدا للثنائي الشيعي الذي يعتبر نفسه معنياً بتلك العناوين السياسية بشكل مباشر.

لذلك، تحدثت معلومات عن إنتباه "حزب الله" لهذه المسألة، واستعداده لتسمية وزير تكنوقراط، وآخر سياسي. ومن هنا برزت اسماء عبدالحليم فضل الله او علي ضاهر عن الجنوب، والإسمان متحدّثان سياسيان وغير مستفزين، وينسجمان مع معايير وضعها دياب. بينما يكون الوزير الثاني من حصة الحزب بقاعياً تكنوقراط ل​وزارة الصحة​.

أمّا حركة "أمل" فكثرت التسريبات الإعلامية حول أسماء مرشحيها لتولي حقيبة ​الزراعة​، وجميعهم تكنوقراط، أو ليس لديهم تجارب سياسية، لكن بري الذي يملك وحده الكلمة الفصل، لم يُحدد حتى الساعة إسم الوزير الثاني الذي من المفترض ان يكون بقاعياً، كون ​وزير المالية​ سيكون غازي وزنه وهو من الجنوب.