وُلِد ​يسوع المسيح​ من ​مريم العذراء​. ولادته، تأكيدٌ لولادة المُخلِّص بالجَّسد.

دخل الإله عالمنا من خلال بشريّتنا، فأصبح اللِّقاء بين الله والإنسان حقيقة والعكس صحيح، كما انسحب هذا اللِّقاء على الإنسان مع أخيه الإنسان.

أتى يسوع ليخلِّص البشريّة متمِّمًا بذلك إرادة أبيه، ومُحقِّقًا الوعد، من خلال إعلان بداية رسالته الخلاصيّة، بعد قبوله العِماد عن يد يوحنّا المعمدان.

تحتفل الكنيسة بزمن الدِّنح (​عيد الغطاس​)، أيّ الإشراق الإلهيّ وإعلان لاهوت يسوع المسيح، ابن الله الأزليّ. وعيد الغطاس-إعتماد يسوع المسيح- أو عيد "الدِّنح"، هو عيد ظهور سرّ يسوع النَّاصري للعالم، بصفته المُخلِّص، ابن الله الحقيقيّ، كما هو ظهور سرّ الثَّالوث الأقدس الآب والابن والرُّوح القُدُس، في آنٍ معًا.

عيد الدِّنح، أيّ عيد الظُّهور والاعتلان والإشراق، تعبيرٌ لاهوتيٌّ عن عيد الغطاس، الَّذي أعلن فيه يوحنّا المعمدان، بداية الطَّريق نحو الخلاص، من خلال المُخلِّص، "أنا أُعمِّدكم في الماء من أجل التَّوبة، وأمّا الَّذي يأتي بعدي فهو أقوى منّي [...] وهو يعمِّدكم في الرُّوح القُدُس والنَّار" (متّى 3: 11). من خلال هذا الحدث تمَّ اللِّقاء: بين المسيح ويوحنّا، وبين يسوع والنَّاس. أَوَليس ظهور سرّ الثَّالوث الأقدس علامةً للمُشاركة واللِّقاء الدَّائم بين الأقانيم الثَّلاثة؟! أَلَم يأتي الله للقاء الإنسانيّة، بالرُّغم من ضعفها وفقرها وخطيئتها؟ أَلَم يجلب لنا هذا اللِّقاء الانتصار على الجسد والزَّمن، وإمكانيّة الدُّخول في ​الحياة​ الإلهيّة؟ أَلَم يهبنا هذا اللِّقاء، سرّ التَّواصل المُباشر مع يسوع المسيح، من خلال الصَّلاة والتَّمجيد والتَّوبة والمُصالحة مع الذات والآخر ونبذ الخطيئة؟.

يبدأ الدُّخول في الحياة الإلهيّة بالعِماد المُقدَّس ومن ثمّ سائر الأسرار المُقدَّسة. يُطلب من المؤمن التَّوبة والنَّدامة عن الخطايا ممّا يُسهم في تجديد قبول النِّعمة الإلهيّة، والَّتي تعطي المؤمن القوّة والقدرة، لتجديد اللِّقاء مع الإله، أيّ لقاء الله، الذي يطمح إليه الإنسان، لسكن الفردوس من جديد. "الحقّ الحقّ أقول لكَ إن كان أحدٌ لا يولَد من الماء والرُّوح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله"( يو٣: ٥).

يُدخل العِماد، المؤمن بيسوع المسيح، حياة المسيح، ويستمدّ من خلاله، شركة الحياة مع الآب والابن. يُظهر سرّ التَّجسد، تنازل الله، كما قيمة الإنسان، لأنّه أصبح خليقة جديدة وجديرة بالله. أَليست هذه علامة ساطعة عن رضى الله المُطلق عن الإنسان؟ "إنّ الله أغلق على جميع النَّاس في العصيان ليرحمهم جميعًا"(رو 11: 32).

نعم، الله تجلّى في حياة الإنسان المُعمَّد والمؤمن المُمارس لإيمانه. ودعاه للسير في طريق الخلاص، بسلوكه نحو الباب الضيِّق "اجتهدوا بالدُّخول في الباب الضيِّق، فإنّي أقول لكم: إنّ كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون"(لو 13: 24). "الباب يُشبه خرم الإبرة لمَن يلتزم مالَهُ، ويعجز عن تأدية دَينِه، لكنّه يُفتح لمَن يعترف بعطشه وجفافه، إن لَم يغفر كلُّ واحدٍ لأخيه من كلّ قلبِه".

نعم، لنجتهد "بأن أقوم بجهدٍ لئلاّ أسمح لذاتي بأن أفكّر بالنَّاس مثلما أُريد، ولا أتصرّف بهم كما أُريد وبحسب مصلحتي وغايتي".

فهل يحثّنا لقاء الله على أن نستقبل المسيح، ونعلن البُشرى السَّارة وأن لا نتخلّى بسهولة عن مسيرة الخلاص، بالرُّغم من الصُّعوبات والضيقات والمَثَل السيّء، والانتهاكات الَّتي يتعرّض لها الإنسان وبخاصّةٍ تلك الَّتي تعترضه من خلال أخيه الإنسان؟.

ينقلنا اللِّقاء الحالّ فيه الرُّوح القُدُس، من البُؤس والبُعد عن الله، إلى حالة الفرح والقُرب من الآب السَّماويّ، ويحملنا من الظُّلمة إلى النُّور، ونجتاز معه وبه من آنية الموت إلى أبدية الحياة.

ليبقى لقاؤنا مع الله مُتجدِّدًا ومُكلّلاً.

لقاء الله... لقاءٌ بالإنسان.