تتواصل قضيّة المدير السابق لتحالف نيسان رينو ميتسوبيشي، ​كارلوس غصن​، فُصولاً، فبعد إصدار السُلطات ​اليابان​يّة مُذكّرة توقيف دوليّة بحق غُصن(1)، أصدر القضاء الياباني مُذكّرة توقيف أخرى بحقّ كارول زوجة رجل الأعمال ال​لبنان​ي(2)، بتهمة شهادة الزور. فما هي أحدث نتائج تحقيقات كلّ من السُلطات اليابانيّة والتركيّة في مسألة فرار غُصن من اليابان إلى لبنان، وهل سيرضخ ​القضاء اللبناني​ للضُغوط ويُسلّم غُصن، وماذا سيقول هذا الأخير في مؤتمره الصحافي الذي يُفترض أن يعقده في ​بيروت​ ​الساعة​ الواحدة من بعد ظهر اليوم، ما لم يطرأ أي جديد يستوجب التأجيل؟.

بالنسبة إلى السُلطات اليابانيّة فقد تمكّنت من خلال مُتابعة وتفريغ مجموعة كبيرة من كاميرات المُراقبة، من التأكّد أنّ غصن غادر محلّ إقامته في ​طوكيو​ في 29 كانون الأوّل الماضي، برفقة شخصين مجهولين، وتوجّه عبر ​القطار​ السريع إلى مدينة أوساكا، قبل أن يدخل الثلاثة إلى فندق قريب جغرافيًا من مطار كانساي. ودائمًا بحسب تحقيقات السُلطات اليابانيّة المُستندة إلى كاميرات المُراقبة، غادر كلّ من الشخصين المَذكورين بعد ذلك إلى ​المطار​، ومعهما صندوقين وُضعا داخل ​طائرة​ خاصة، كانت تستعدّ للإقلاع إلى مطار أتاتورك في ​تركيا​. ولم تذكر السُلطات اليابانيّة التي أصدرت أخيرًا قرارًا قضى بتشديد إجراءات المُراقبة الأمنيّة في معابرها الحُدوديّة كافة، كيف يُمكن لشخصين أن يحملا صُندوقُا خشبيًايتمدّد فيه شخص بالغ، وأن يحملاه بكل بساطة إلى المطار ومن ثم إلى الطائرة، علمًا أنّ السُلطات اليابانية قالت إنّ الصندوقين المُخصّصين عادة للمعدّات الموسيقيّة، لم يخضعا للتفتيش ولم يمرّا على الأشعة السينيّة أيضًا قبل شحنهما، من دون أن تذكر السبب. إشارة إلى أنّه لا يُمكن لأي شخص البقاء حيًّا في حال جرى وضعه في مخزن الشحن التابع لأي طائرة، لأنّ الحرارة الخارجيّة تتدنّى عند بلوغ الطائرات الإرتفاع الأقصى لها خلال الرحلات الطويلة، نحو 52 درجة تحت الصفر، ما يستوجب دُخول غُصن إلى مقصورة الطائرة، وهذا الأمر لا يزال لُغزًا حتى تاريخه!.

وبالنسبة إلى التحقيقات التي أجرتها السُلطات التركيّة في القضيّة نفسها، فهي أثبتت إستخدام طائرات خاصة تابعة لشركة "أم أن جي" التركيّة، بشكل غير قانوني، حيث جرى-بحسب القضاء التركي، تزوير بعض السجلات والوثائق الرسميّة، لا سيّما لجهة إستبعاد إسم غصن من لائحة الأشخاص على متن الرحلتين من اليابان إلى تركيا، ومن هذه الأخيرة إلى لبنان، من دون أن تُشير إلى ما إذا كان قد جرى إستخدام أيّ جوازات سفر مُزوّرة. وفي تركيا أيضًا، وبما أنّه جرى نقل غُصن من طائرة إلى طائرة أخرى أقلّته إلى ​مطار بيروت​، جرى الحديث عن ثغرة أمنيّة لا تقلّ خُطورة عن تلك التي حصلت في اليابان، علمًا أنّ السُلطات التركيّة أوقفت سبعة أشخاص حتى اليوم في هذه القضيّة، بينهم أربعة طيّارين بتهمة التورّط في عمليّة تهريب إلى لبنان. وتحدّثت السُلطات التركيّة عن دفع الكثير من الأموال، لتأمين العمليّة بهذا الشكل المُتقن،مُؤكّدة مُتابعة قضيّة الرشاوى والمُخالفات لمعرفة كل الملابسات.

وبعيدًا عن روايات الإنتقال من اليابان إلى لبنان،والتي تحمل طابعًا تشويقيًا بدون أدنى شكّ، فإنّ ما حصل بعد ذلك هو المُهمّ، حيث أن السُلطات اليابانيّة صادرت كل أملاك غُصن إضافة إلى الكفالة الماليّة(3)التي كان غصن قد تحوّل بموجبها من مُتهم موقوف في ​السجن​، إلى مُتهم يعيش في منزله تحت مُراقبة مُشدّدة، بعد أن أمضى 130 يومًا في الحجز. وطلب الإدعاء الياباني من ​الإنتربول​ مُساعدته على توقيف ُغصن، علمًا أنّ السُلطات اليابانيّة تدرسالتوجّه بطلب رسمي للبنان لتسليم غُصن، مُرفقًا بكل ما يلزم من أوراق وإتهامات. لكن، وبما أنّه لا وُجودلأي إتفاق بين لبنان واليابان ينصّ على تبادل المَطلوبين والمَساجين، فإنّ السُلطات اللبنانيّة لن تقوم بتسليم غُصن إلى السُلطات اليابانيّة، أو بترحيله من لبنان بالقُوّة. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، سيكتفي القضاء اللبناني في المُستقبل، باستدعاء غُصن للإستماع إلى دفاعه بشأن التهم المُوجّهة إليه، مع الإشارة إلى أنّ ​السفير الياباني​ في لبنان تاكيشي أوكوبو عرض هذه المسألة بالتحديد خلال إجتماعه إلى ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ في ​قصر بعبدا​ أمس، في حُضور الوزير ​سليم جريصاتي​ والمدير العام للأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​. وحتى لو جرى إرسال ملف من اليابان يتضمّن وثائق تحمل أدلّة إدانة دامغة، تتمّ مُحاكمة غُصن في لبنان وأمام القضاء اللبناني، هذا في حال جرى تصديق الرواية اليابانيّة بشأنه.

إشارة إلى أنّ غُصن-وما لم يطرأ أيّ تطوّر في اللحظات الأخيرة، سيعقد مُؤتمرًا صحافيا خلال ​الساعات​ المُقبلة يُدافع فيه عن موقفه، بإعتبار أنّ السُلطات اليابانيّة كانت تمنعه من الدفاع بحريّة وبشكل علني عن نفسه، وتفرض عليه شروط إعتقال غير إنسانيّة. ومن المُتوقّع أن يتحدّث غُصن عن البُعد السياسي للتهم التي طالته، وعن إشتراك مسؤولين كبار في نيسان بتدبير مُؤامرة ضدّه للتخلّص منه. وهوسينفي أيضًا كل ما قيل عنه بشأن أموال شركة نيسان، وأن يتحدّث عن المُعاملة غير العادلة للقضاء الياباني مع قضيّته، إلخ. يُذكر أنّ كل المعلومات تؤكّد أنّ غصن سيبقى في لبنان في المرحلة المُقبلة وسيُدافع عن نفسه من بيروت، وهو لن يستعين لا ب​فرنسا​ ولا ب​البرازيل​ اللتين يحمل جنسيّتيهما أيضًا.

(1) كان كارلوس غُصن قد إعتقل في طوكيو في 19 تشرين الثاني 2018 بتهمة سوء السُلوك المالي، والإستخدام الشخصي لأصول شركة نيسان، قبل أن يخرج بكفالة في إنتظار مُحاكمته.

(2) كارلوس غصن لبناني الأصل، علمًا أنّه مولود في البرازيل ويحمل جنسيّتها، وهو يحمل الجنسيّة الفرنسيّة أيضًا.