بعد إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» ​السيد حسن نصرالله​ قرار المواجهة ضد الوجود العسكري الاميركي في المنطقة، هناك في الداخل مَن طرح تساؤلات حول مصير «النفوذ الاميركي» في ​لبنان​ وطريقة تعامل الحزب معه مستقبلاً، خصوصاً انّ نصرالله أكد انّ ما بعد اغتيال ​اللواء​ ​قاسم سليماني​ يختلف عمّا قبله.

ليس خافياً أنّ هناك تعاوناً أميركياً مع بعض مؤسسات ​الدولة اللبنانية​، ومن أهمها ​المؤسسة العسكرية​ و​مصرف لبنان​، الى درجة أنّ أوساطاً سياسية تعتبر أنّ الجيش وحاكم المصرف يحظيان بـ»حصانة ديبلوماسية» لدى ​واشنطن​.

وكذلك، فإنّ جزءاً من القوى الداخلية المنخرطة في تركيبة الدولة يتمسّك بالانفتاح على ​الولايات المتحدة​، وحتى «التيار الوطني الحرّ» يتمايز على مستوى أدبياته وسلوكه عن حليفه «حزب الله»، في مقاربة ملف العلاقة مع واشنطن.

يدرك «حزب الله» هذا الواقع جيداً، وهو كان يحاول التعايش معه على قاعدة التمييز بين خياراته واقتناعاته وبين مصالح الدولة اللبنانية وسياساتها، إنما مع إبقاء عيونه مفتوحة لمنع تعاظم الدور الاميركي وتمدّده في اتجاه تغيير المعادلات والتوازنات أو التأثير في القرار السياسي والموقف الرسمي من القضايا الإستراتيجية.

لكن بعد التجاوز الاميركي لـ»قواعد الاشتباك» عبر اغتيال اللواء قاسم سليماني، وبالتالي دخول النزاع مع واشنطن في طور تصعيدي جديد، تتوقع أوساط سياسية قريبة من محور ​المقاومة​ أن يصبح الحزب أشد تحسّساً حيال كل ما يتصل بالنفوذ الاميركي في لبنان، من دون أن يعني ذلك بالضرورة انه سيندفع نحو خيارات دراماتيكية في مواجهته، من نوع استخدام القوة العسكرية.

ولعلّ التحدي الأصعب أمام «الحزب» هو ان يصوّب على النفوذ الاميركي من دون ان يصيب بعض مفاصل الدولة المتناغمة أو المتقاطعة مع مصالح واشنطن، خصوصاً انه ليس في وارد الانزلاق الى نزاعات داخلية في هذه المرحلة.

وتلفت شخصية مُنتمية الى فريق ​8 آذار​ الى انّ الاستخدام الاميركي لقاعدة «حامات» العسكرية في ​الشمال​، على سبيل المثال، يطرح علامات استفهام وتعجُّب لا يمكن الاستمرار في تجاهلها والقفز فوقها، خصوصاً انّ هذا الإستخدام المتعدّد الأبعاد والوظائف ليس خاضعاً الى أي مراقبة أو ضوابط من السلطات الرسمية اللبنانية، ما يحول دون التدقيق في حقيقة ما يفعله الاميركيون ووجهة استفادتهم من خدمات هذه ​القاعدة​.

وتشكّل قاعدة حامات «رئة تنفّس» حيوية للاميركيين الذين يستعينون بها عند الحاجة لنقل الجنود والمعدات، خصوصاً أنّ التنقّل بينها وبين مقر ​السفارة الاميركية​ في عوكر «آمن» في معاييرهم الامنية، بينما يفترضون انهم يفتقرون الى الأمان في ​مطار بيروت​ كونه يقع، بحسب رأيهم، تحت سيطرة «حزب الله»، «القادر على مراقبة حركة الدخول اليه والخروج منه، والتحكّم بالطرق الواقعة في محيطه الجغرافي، بحيث أنّ اي استعمال للمطار من قبل الجنود الاميركيين الذين يأتون الى لبنان او يغادرونه سيكون محفوفاً بالخطر وسيعرّض حياة هؤلاء الجنود للتهديد، فكان لا بد من محطة بديلة ربطاً بالظروف الأمنية الدقيقة»، وفق تبريرات واشنطن.

وإضافة الى هذا الجانب، ترى تلك الشخصية المنخرطة في 8 آذار أنّ الارتكاز في برامج التسلّح والتدريب على الولايات المتحدة هو أمر مستغرب، ويجب ان يكون موضع مراجعة وإعادة نظر، أقله من باب السماح بتنويع المصادر والجهات التي يمكن الجيش التعاون معها والاستفادة منها، ما دام الاستغناء عن المساهمات الاميركية على هذا الصعيد متعذراً، كون المؤسسة العسكرية تعتمد تاريخياً عليها وليس من السهل والبساطة التخلي عنها.

وتشير الشخصية إيّاها الى انّ تعاوناً سابقاً كان قائماً بين الجيش وكليات عسكرية سورية في مجال التدريب قبل حصول الانسحاب السوري من لبنان، إلّا انه توقف كلياً عقب الانسحاب عام 2005، لتستحوذ واشنطن على «حصة الأسد» من التسليح والتدريب.

وعندما نوقِش قائد الجيش العماد جوزف عون في «الامتيازات» أو الافضلية الممنوحة الى الاميركيين، أوضح انّ استعمالهم قاعدة حامات يتم بموجب اتفاق مسبق «لستُ أنا من وضعه بل كان قائماً قبلي، ووجدته أمامي عندما تسلّمت مسؤولياتي. وبالتالي أنا واصلتُ تطبيقه، خصوصاً انه لا توجد عندنا بدائل حقيقية عن برنامج التعاون مع ​الجيش الاميركي​ اذا استثنينا المساعدة الموضعية التي قدّمها لنا البريطانيون لتشييد أبراج مراقبة على الحدود الشرقية».

وقرار تنويع روافد التسليح للجيش هو في نهاية المطاف قرار سياسي غير متوافر حتى الآن. والنقص في الارادة السياسية لا يعرقل فقط الحصول على ​السلاح​ والدعم من الدول التي يوجد عداء او تجاذب بينها وبين الولايات المتحدة، بل انّ مفاعيله تصيب ايضاً اتجاهات أخرى.

وضمن هذا السياق، يكشف المطّلعون انّ العماد عون كان في صدد رفد الجيش بفرقاطات بحرية من ​ايطاليا​، لكنّ الامر لم يكتمل لأنّ الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ عاتَبَ الرئيس ​سعد الحريري​ على إعطاء الافضلية لشراء فرقاطات من روما في حين انّ ​باريس​ هي التي تدعم لبنان على كل الصعد وتقف الى جانبه في إطار ​مؤتمر​ «سيدر» وغيره، فما كان من الدولة اللبنانية الّا أن جمّدت التفاهم مع الطليان مراعاة لخواطر الفرنسيين.

وأيّاً يكن الأمر، فإنّ «حزب الله» سيأخذ في الحسبان، وهو يسعى الى التخفيف من تغلغل النفوذ الاميركي في بعض القطاعات الرسمية، أنّ العلاقة مع الجيش يجب أن تبقى متينة ومحصّنة. وينقل عن قيادي كبير في الحزب تأكيده أنّ «أحداً لا يستطيع أن يأخذنا الى موقع المواجهة مع الجيش، وأيّ رهان من هذا النوع سيكون خاسراً». ويشدد: «سنبقى حريصين على هذه المعادلة، وعندما تكون لدينا ملاحظات تتعلق بالمؤسسة العسكرية فسنناقشها مباشرة مع ​القيادة​ وبلا ضجيج».