أقل ما يُقال عن بداية العام 2020 في ​إيران​ أنها كارثية، حيث توالت الأحداث التي عصفت بالبلاد عسكرياً وأمنياً. بداية مع اغتيال قائد ​فيلق القدس​ في ​الحرس الثوري الإيراني​ ​قاسم سليماني​، ومن ثم مقتل 50 شخصاً تقريباً في التدافع أثناء تشييعه، ومن ثم سقوط الطائرة الأوكرانية في طهران. هذه الأحداث جعلت إيران عرضة لكافة الضغوطات الإعلامية والسياسية والعسكرية.

المواجهة بين ​أميركا​ والجمهورية الاسلامية ليست جديدة. لكن حادثة الطائرة الأوكرانية وسّع دائرة المواجهة معها لتدخل ​أوكرانيا​ وكندا حيث سبقتا أي تحقيق ورجّحتا سقوطها بصاروخ إيراني، وهي الفرضيّة التي أطلقها الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​. نستعرض هنا الفرضيات التي تم طرحها وكيف نفتها إيران.

بداية، إن طائرة البوينغ 737 والتي كان على متنها 176 شخصا (أغلبهم إيرانيين ومن المتفوقين في مجال التكنولوجيا وهؤلاء تعمل السلطات الإيرانية على تطويرهم وحمايتهم بكل الإمكانات) أقلعت الساعة 6:12 صباحا بتوقيت طهران من مطار "الإمام الخميني".

وفي حين أن الفرضية الأميركية الأولى تقول أنه خلال اطلاق ايران الصواريخ على قاعدة عين الأسد في العراق أصابها أحد الصواريخ، فإن الطائرة التي أقلعت بالتوقيت المذكور آنفا توقفت عن إرسال أي بيانات الساعة 6:14 صباحًا، والضربة حصلت عند الساعة 2:50 بعد منتصف الليل بتوقيت طهران بفارق ٣ ساعات و٢٤ دقيقة، وبالتالي لا تزامن بين الحدثين. ثانياً، جعرافياً، الصواريخ انطلقت من غرب إيران وتحديداً من بلدة كرمانشاه الإيرانية نحو العراق غرباً، بينما الطائرة انطلقت من طهران نحو الشمال متوجهة إلى أوكرانيا. ومن المستحيل أن تلتقي الصواريخ مع الطائرة جغرافياً. ثالثاً والأهم، ان الطائرة كانت على ارتفاع 8000 قدم، ومن الصعب جدا لا بل من المستحيل تكنولوجيًّا ان تصل الصواريخ البالستية الى هذا الارتفاع.

بعد دحض هذه الفرضية، تبرز ثانية، وهو رفض طهران تسليم الصندوقين الأسودين للشركة المصنّعة في أميركا لإجراء التحقيقات. وهو الّذي جاء نتيجة امتناع المسؤولين في شركة الطيران عن ارسال الخبراء الى طهران لتسلّمهما بسبب العقوبات عليها. وبذلك تكون الشركة هي من امتنعت، فاضطرت طهران لانشاء لجنة تحقيق في الحادثة داعية السلطات الكندية والأوكرانية إلى ارسال خبرائهم للمشاركة في اللجنة، وهذا ما حصل. وبالتالي لم تحاول طهران إخفاء أي شيء، خصوصاً وأن التحقيق في بيانات الصندوقين الأسودين واصدار تقرير لأي طائرة يحتاج إلى أشهر.

الفرضية الثالثة التي حاول الأميركيون تسويقها هي أن يكون الإيرانيون قد ضربوا الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ بصاروخ مضاد للطائرات، خلال استنفار القوات الإيرانية عقب "عملية الثأر لسليماني". الرد الايراني جرى عبر الطيّار الإيراني هوشانغ شهبازي، وهو الذي يعتبر بطلاً إيرانياً بعد نجاحه بقيادة هبوط اضطراري عام 2011 لطائرة بعد تعطلها دون سقوط أي اصابة، أوضح "استحالة اسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ، والدليل على ذلك أن الحطام وجد في بقعة جغرافية واحدة، أما في حال استهدافها بصاروخ، لكانت تناثرت في الهواء وسقطت على الأرض في أماكن جغرافية متعددة". كما أن "الطائرة كانت تحاول العودة إلى مطار الإمام الخميني، وهو دليل على أن عطلا معينا قد حصل. أما في حال اصابتها بصاروخ، فلا يمكن للطيار حينئد اتّخاذ قرار العودة".

بكل الوسائل والفرضيات الممكنة، تحاول إدارة ترامب إقناع العالم بأن إيران من أسقطت الطائرة، ولو عن طريق الخطأ، لإدانتها. ورغم ضعف الأدلّة الأميركية بسبب استباق التحقيقات، كان لا بدّ من الاضاءة على بعض الوقائع.

فهل ستتمكن إيران من الصمود أمام الحرب السياسية والاعلامية والاقتصادية والعسكرية التي تتعرض لها؟ وهل ستوضح التحقيقات حقيقة ما حصل؟