في شهر تشرين الثاني وعلى وقع الاحتجاجات الشعبية في الشارع، انطلقت لجنة المال و​الموازنة​ برئاسة ​ابراهيم كنعان​ بدراسة بنود موازنة العام 2020، وانتهت من دراستها بعد اقل من شهرين، وبالتالي انتقلت الكرة الى ملعب ​المجلس النيابي​ بهيئته العامة، حيث يُفترض أن يكون شهر كانون الثاني الحالي شهر الموازنة، والا فإن ضياعها سيؤدي لعودة الفوضى التي كان لبنان يعيشها في ماليته العامة في السنوات التي غابت فيه عن حياته السياسية.

في 21 تشرين الأول الماضي وقبل استقالة ​مجلس الوزراء​ اتُّخذت سلسلة قرارات تتضمن اجراءات اصلاحية جذرية للنهوض بالاقتصاد وتحفيز النمو، من ضمنها إقراره مشروع موازنة 2020 بعد أن كان يدرسها لجلسات طويلة لم تُنتج سوى خلافات ووجهات نظر متباعدة، وجاء في الموازنة التي أقرها وقتذاك تخفيض نسبة العجز 0.63 بالمئة، وهو "العجز الحلم" بالنسبة للبنانيين.

تحدّثت المادة 32 من الدستور على ان "يجتمع المجلس كل سنة في عقدين عاديين فالعقد الأول يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار، والعقد الثاني يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل أي عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة"، وبحسب هذه المادة فإن العقد العادي للمجلس انتهى، وبالتالي فإن المجلس يحتاج الى عقد استثنائي لاجل التصويت على الموازنة، وهذه الدعوة وبحسب الدستور تصدر بمرسوم خاص يوقعه رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة ويُحدد فيه موضوع الجلسة، إنما في الحالة التي نعيشها اليوم، وفي ظل استقالة الحكومة وعدم تشكيل أخرى، تعود الى الواجهة مجددا مسألة التشريع في ظل حكومات تصريف الاعمال، فهل سيشكل هذا الامر عقبة امام إقرار الموازنة؟. كذلك تجدر الإشارة الى نقطة مهمة وهي أن المجلس النيابي بظل حكومة تصريف الاعمال يصبح حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة، ولكن هناك نقاش دستوري وتفسيرات متعددة حول مدى قدرة المجلس على التشريع في هذه الدورة أيضا.

كما جرت العادة هناك انقسام في الفقه الدستوري بين فريق يؤيد قيام المجلس النيابي بالتشريع في ظل حكومة مستقيلة، وفريق يرفضه، وهذا الخلاف يزداد بحال كان الملف المثار هو إقرار الموازنة، اذ عندها يكبر حجم الاعتراض على التشريع لان الموازنة تعني بالدرجة الاولى الحكومة وعملها وبرنامجها، لذلك انتظر رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ بحسب مصادر سياسية كثيرا قبل بدء الحديث عن نيته عقد جلسة نيابية لإقرار الموازنة، وذلك من أجل ولادة حكومة حسان دياب، الا أن عدم حصول هذه الولادة غيّر الخطة والمسار.

وتضيف المصادر: "لا يبدو أن أحدا سيعترض على التشريع بظل حكومة تصريف الاعمال هذه المرة، وما النتيجة الإيجابية لحديث رئيس المجلس مع رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري حول هذه المسألة الا الدليل على ذلك"، مشيرة الى أن ما ظهر حتى اللحظة هو حرص كل الكتل البرلمانية وحرص رئيس الجمهورية على إقرار الموازنة قبل شهر شباط لكي لا يدخل البلد في أزمة الصرف، التي ستؤدي حكما الى ازمات مالية جمّة، خصوصا وأن أحدا لن يكون مستعدا لتحمل غضب الشارع.

لذلك، تكشف المصادر عبر "النشرة" أن المنتصف الثاني من شهر كانون الثاني الجاري سيشهد جلسة نيابية مخصصة لإقرار الموازنة التي ستكون بين أيدي النواب خلال ساعات لدراستها، وستكون الجلسات مكثفة وسيحضرها الحريري بصفته رئيسا لحكومة ​تصريف الأعمال​، الا اذا نجح دياب بتشكيل حكومته خلال الأيام العشر المقبلة.