لم يتأخر الرئيس المكلف الدكتور ​حسان دياب​ في خوض تجربة «معمودية النار» السياسية. هكذا، وسريعاً وجد نفسه أمام خلاف مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب حول تركيبة الحكومة ونمط تأليفها، مدافعاً بشراسة عن صلاحياته، ومؤكداً انّ رئاسة الحكومة «ليست مكسر عصا» وانه لن يرضخ للضغوط. والنتيجة، أهلاً وسهلاً بحسان دياب في حلبة المصارعة السياسية!

ليست فقط الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية هي التي كانت تستوجب تأليفاً سريعاً للحكومة، بل انّ تسمية فريق يطغى عليه لون واحد هو لون الاكثرية النيابية لدياب كان يجب ان يتبعها تسهيل التشكيل وإنجازه في أقصر وقت ممكن، في اعتبار انّ الطبخة تُطهى داخل البيت الواحد الى حد كبير، بعدما استبعدت قوى اساسية نفسها عنها مثل تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، الأمر الذي يجب أن يفضي، نظريّاً، الى خفض منسوب التعقيدات.

لكن يبدو انّ «شيطان التفاصيل» فَعل فِعله بالتواطؤ مع «شبح المواجهة» في المنطقة، فاشتد التجاذب حول شروط الولادة الحكومية الآمنة، واختلطت الاوراق مجدداً في وعاء التأليف، وهو الأمر الذي عكسته «التسديدات» المتبادلة بين القصر الجمهوري والرئيس المكلف، ورسائل الانزعاج من «عين التينة» التي لا تخفي انحيازها الى وصفة الحكومة التكنو-سياسية.

واللافت انّ دياب لم يتردد في استخدام لهجة حازمة للدفاع عن دوره، كما أوحى البيان الصادر عنه، والذي شدّد فيه على انه لن يرضخ للضغوط ولن يقبل أن تكون رئاسة الحكومة مكسر عصا، وكأنه اراد ان يبلغ الى من يهمّه الامر رسالة مفادها انّ «لحمه ليس طريّاً ولا يُؤكل»، وانّ كونه من التكنوقراط لا يعني انّ في الامكان استضعافه او استفراده.

والصيغة المباشرة والصريحة التي استعملها دياب دفاعاً عن صلاحياته وتصوّره لشَكل الحكومة، قد تفيده في تبرئة نفسه من تهمة التبعية لـ«التيار الوطني الحر» و​8 آذار​، وصولاً الى محاولة اكتساب عصب معيّن وإنتاج نوع من الحيثية او الشرعية له وسط البيئة السنية التي حجبت عنه غطاءها بعد تكليفه.

واذا كان البعض قد استشعر خلال الايام الماضية وجود سعي لدى الذين سمّوا دياب الى إحراجه لإخراجه بعدما تغيرت حساباتهم، فإنّ القريبين من دياب يؤكدون انه لا يزال من جهته ثابتاً عند خياره بعدم الاعتذار «ليس لأنه متمسّك بالسلطة بل لتَحسّسه بالمسؤولية في هذه المرحلة الصعبة، على قاعدة انّ وضع البلد لا يتحمل مزيداً من إضاعة الوقت، وانّ واجبه يُملي عليه الاستمرار في محاولة تشكيل حكومة إنقاذية وفق المواصفات التي تم إقرارها منذ تسميته، بل حتى قبل ذلك».

وضمن هذا الاطار، يؤكد هؤلاء انّ دياب أبلغ صراحة الى رئيس الجمهورية، عندما اقترح عليه تسميته خلال اجتماع بينهما في بعبدا، انه «يريد تشكيل ​حكومة تكنوقراط​ تشبهه، فوافقَ عون، وكذلك الوزير ​جبران باسيل​ الذي قال لدياب: «نحنا ما بَدنا شي». فماذا تغيّر؟ ولماذا يُراد تبديل المعايير المتّفق عليها سلفاً؟»، تسأل اوساط دياب.

ويشدّد المحيطون بالرئيس المكلف على انه يرفض ان يكون «باش كاتب»، وأنه لن يقبل بالعودة الى ما قبل «اتفاق الطائف»، إنما من دون ان يعني إصراره على حماية صلاحياته أنه يقبل بالانتقاص من دور عون أو من مضمون الدستور الذي يلحظ انّ «الرئيس المكلّف يشكّل الحكومة بالتشاور والتفاهم مع رئيس الجمهورية».

ويلفت هؤلاء الى انّ دياب حريص على التعاون مع عون واحترام الدور الذي أناطه الدستور برئيس الجمهورية، «وهو في المقابل لا يطلب اكثر من احترام حدود صلاحياته والالتزام بما سبق التوافق عليه في شأن ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط تحظى بالثقة الضرورية من الداخل والخارج»، مشيرين الى انّ دياب «لا يطلب شيئاً لنفسه» في الحكومة المقبلة، «إذ انه ليس طامحاً الى زعامة سياسية ولا يريد ان يكون جزءاً من أي محاصصة في أي مجال، ولعل الأصح أنّ الرجل أقرب الى «كاميكاز» أخَذ على عاتقه ان يَتلقّف كرة النار وان يتصدى لأخطر أزمة تواجه لبنان».

ويوضح المحيطون بدياب انّ الرئيس المكلف «يتطلع الى أوسع تعاون وافضل علاقة مع الرئيس ​نبيه بري​ الذي يشكّل ضماناً للبلد، لكن من دون ان يعني ذلك تراجع دياب عن تمسّكه بخيار التكنوقراط».

ويعتبر دياب أنّ حكومة التكنوقراط هي الوحيدة القادرة على محاكاة مزاج الحراك ونبضه واستقطاب الدعم والتأييد الحيويين من ​المجتمع الدولي​، الذي ينتظر تَبيان ملامح المولود الحكومي ليحكم عليه ويحدد طريقة التعامل معه.

وتفيد معلومات انّ دياب أرسل الى بعض ​دول الخليج​ موفداً لاستطلاع حقيقة مواقفها واتجاهاتها، فسمع ما مفاده: «اننا ننتظر صورة الحكومة ​الجديدة​، وتبعاً لها نقرر ما اذا كنّا سنقف الى جانبكم أم لا».