منذ تاريخ ​الإنتخابات النيابية​ الماضية، في 6 من أيار 2018، بدأت بعض الأوساط الداخلية والخارجية بالإعتراض على نتائجها، التي قادت إلى حصول قوى الثامن من آذار على الأكثريّة النّيابية للمرة الأولى منذ العام 2005، أيّ تاريخ الإنقسام الحادّ في البلاد بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، والتي وصفها الكثيرون من الفريق الأول، أبرزهم نائب رئيس ​المجلس النيابي​ ​إيلي الفرزلي​، بأنها تصحيحاً لمسار تاريخي.

منذ إنطلاق ​الحراك الشعبي​، في 17 تشرين الأول الماضي، رفعت معظم المجموعات الفاعلة فيه شعار الدعوة إلى إنتخابات نيابيّة مبكرة، بعضها أراد أن يكون ذلك متزامناً مع تعديل ​قانون الإنتخاب​ الحالي، بهدف الوصول إلى قانون يعتمد ​لبنان​ دائرة واحدة على أساس النظام النسبي وخارج القيد الطائفي، لكن بعضها الآخر كان يطمح إلى الإنقلاب على نتائح الإنتخابات النيابية.

في السياق نفسه، برزت الدعوات من أركان قوى الرابع عشر من آذار، بعد إستقالة رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​، للذهاب إلى إنتخابات نيابية مبكرة، وطرحت على الهامش فكرة إمكانيّة إستقالة نوّاب كل من كتلة "المستقبل" وتكتل "​الجمهورية​ القويّة" وأعضاء "​اللقاء التشاوري​"، لكنها اصطدمت بعقبات قانونيّة حالت دون ذلك، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ الطرح أصبح خارج التداول، بل على العكس من ذلك قد يكون هو عنوان المعركة المقبلة بعد ولادة حكومة ​حسان دياب​ الأولى، بحسب ما تؤكّد مصادر سيّاسية مطلعة، عبر "​النشرة​"، نظراً إلى أن قوى الثامن من آذار ليست في وارد الموافقة على مثل هذا الطرح، بعد فشل الدعوات إلى تشكيل حكومة لا تأخذ بعين الإعتبار نتائج الإنتخابات.

في هذا السياق، توضح مصادر قانونيّة، عبر "النشرة"، أنّ حلّ ​مجلس النواب​ لا يتم إلا وفق 3 ​حالات​، تتطلّب التوافق بين رئيسي الجمهورية و​الحكومة​، وهي: رفض المجلس التصويت على ​الموازنة العامة​ واقرارها، عدم الاجتماع خلال عقد كامل، رفض تعديل ​الدستور​، بينما لتقصير ولاية المجلس النيابي هناك مسار آخر، قد يكون أكثر تعقيداً في الوقت الراهن، لا سيما في ظل موقف القوى التي تشكل الأكثرية النيابية.

وتوضح هذه المصادر ان تقصير الولاية قد يكون بعد إقرار قانون إنتخابي جديد في المجلس النيابي، يتضّمن تقصير ولاية المجلس القائم عبر تحديد موعد الإنتخابات النيابيّة المقبلة، أو عبر إصدار قانون لتقصير ولاية المجلس مع الإبقاء على القانون الإنتخابي الحالي، في حين أن الإستقالة لعدد من النواب لا يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة بالمجلس، على عكس ما هو الواقع بالنسبة إلى ​مجلس الوزراء​، حيث تكفي إستقالة الثلث زائد واحد من أعضائه لتعتبر الحكومة بحكم المستقيلة.

على المستوى السياسي، بات من الواضح أنّ قوى الرابع عشر من آذار تتوافق، ولو بصورة غير مباشرة، على هذا الطرح، بالرغم من الخلافات التي تعصف بين أركانها، لا سيما "القوّات اللبنانية" و"تيّار المستقبل"، إلا أنّ هذا لن يدفعها إلى الإستقالة من المجلس النيابي، إلا إذا كانت متأكدة من أن ذلك سيقود إلى الدعوة لإنتخابات مبكرة، وبالتالي عدم الدخول في منافسة على مقاعدها فقط ضمن إنتخابات فرعيّة، لكن لدى المصادر السياسية المطّلعة رؤية مختلفة عما يمكن أن تقدم عليه هذه القوى، تنطلق من طرح معادلة مشروعيّة المجلس النّيابي الحالي، وبالتالي التسويق لسقوطه بعد الإحتجاجات الشعبيّة التي شهدتها البلاد.

وتشير هذه المصادر إلى أن هذه القوى قد تستفيد من موقف الحراك الشعبي، الراغب في الذهاب إلى إنتخابات مبكرة، للوصول إلى هذه النتيجة، كما أنها قد تستفيد من الإستقالة عبر توجيه كل أصابع الإتّهام إلى الفريق الآخر، على قاعدة أنّها باتت خارج الحكومة والبرلمان، وبالتالي مفتاح الحلّ هو بيد قوى الثامن من آذار و"​التيار الوطني الحر​"، في حين أن حكومة دياب، التي ستوصف بأنها حكومة اللون الواحد، ستواجه مجموعة واسعة من الملفّات الضاغطة، خصوصاً على المستويين الإقتصادي والمالي.

في المحصلة، لن تسلّم قوى الرابع عشر من آذار، بالجملة أو بالمفرق، بنظريّة تشكيل قوى الأكثريّة حكومة لمعالجة ​الأزمة​ الراهنة، وبالتالي هي ستخوض معارك بوجهها بعد تشكيلها، ستكون الإنتخابات النيابية المبكرة احدى أبرز جولاتها.