يطلق مجلس إدارة ​جمعية الصناعيين​ بالتعاون مع كلّ الصناعيين «آخر صرخة، آخر فرصة»، الثلثاء المقبل في 21 الجاري، بعدما وصل القطاع الصناعي الى الخطّ الأحمر. وبعد أن تتالت مطالبة الصناعيين ل​مصرف لبنان​ بوضع آليات مناسبة لفتح اعتمادات لاستيراد المواد الأولية الأساسية لتيسير القطاع الصناعي، على غرار آليات استيراد ​الدواء​ و​البنزين​ و​القمح​.

لم يكن الصناعيون يحتاجون الى القيام بهذه الخطوة الآن بعد مرور ثلاثة أشهر على انطلاق الحراك من دون وجود أيّ تصوّر لإدارة الأزمة لدى المسؤولين الى الآن، ولا خلية طوارئ ولا اجراءات استثنائية لتذليل ​العراق​يل اليومية التي تواجه الصناعيين والمصدّرين في المرحلة الراهنة. وكان من المفروض أن تنطلق خلية لإدارة الازمة منذ اليوم الاول.

علماً انّ ​الدولة​ فتحت اعتمادات لاستيراد الدواء والبنزين والقمح، والملفت أنّه تمّ دفع مبالغ طائلة لاستيراد الدواء الماركات على رغم من أنّ المرحلة تستوجب تقشفاً ومحاولة توفير الفواتير، ونطالب دائماً بأن يتمّ خفض فاتورة استيراد الادوية الى النصف عبر دعم استيراد ادوية الجنريك حصراً والمسموح دخولها الى دول ​الاتحاد الاوروبي​.

درجت العادة في لبنان على ترك القطاع الصناعي وحيداً يعاني من دون وجود آليات دعم واضحة الّا للمحظوظين، وكنت دائماً اشبّه الصناعي اللبناني بأنّه مثل العدّاء المطلوب منه ان ينافس وهو يحمل على ظهره كيساً مليئاً بالحجارة، في إشارة الى كميّة العراقيل التي يتكبّدها الصناعي في لبنان ليتمكن من انتاج سلعة تنافسية.

لم تقتنع ​السلطة​ الحاكمة في أيّ مرحلة بأنّ ​الصناعة​ هي الوحيدة القادرة على توفير آلاف فرص العمل التي نحتاجها سنوياً لشبابنا، الصناعة الوحيدة القادرة على خلق الافكار والابتكار، وتحريك كافة القطاعات، وإدخال الاقتصاد الى سوق التنافسية العالمية، والعلوم الحديثة مثل التكنولوجيا والروبوتيك، وتحويل شبابنا مبدعين بدلاً من تخديرهم بفرص عمل وهمية أرهقت ​الاقتصاد اللبناني​، الصناعة القادرة على تحسين الميزان التجاري وإدخال النقد النادر الى البلد.

لم تقتنع السلطة في أيّ مرحلة بأهمية خلق بيئة صديقة للصناعة والاستثمار، ولكن أن يُصار الى ترك الصناعي وحيداً في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات في لبنان هو انتحار، لأنّ ذلك لا يؤثر فقط في الصناعة بل ينعكس على فرص عمل عدّة، فاذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، القطاع الصناعي مهدّد أن يخسر 50 الف فرصة عمل، فهل يتحمل لبنان خسارة مزيد من فرص العمل؟ وكم سنحتاج من الوقت لاستعادة الفرص المفقودة؟ وما هو أثر ذلك على الحماية الاجتماعية في البلد؟.

غياب ايّ لجنة طوارئ لمتابعة العراقيل وتحديد خطوات سريعة لتخفيف حدّة الازمة هو أمر غير مقبول، فكلّ الدول تتخذ إجراءات استثنائيّة خلال الأزمات، أمّا في لبنان فتستمرّ الامور على ما هي عليه، العراقيل ذاتها، غرامات على التأخير في ​مرفأ بيروت​، في حين يكافح الصناعي ليحافظ على عماله في ظلّ عدم قدرته على استيراد المواد الاولية، وفي ظلّ كلفة تصدير محلية اكثر من «نولون» التصدير بكثير، والأهمّ استمرار تكاليف الترانزيت الباهظة في سوريا وعدم إمكانية التصدير البرّي الى العراق.

كثير من الخطوات مطلوب القيام بها لمنع الانهيار واهمها ايجاد صيغة في هذه المرحلة لدعم التصدير واعتبار المصدر مقاوم في هذه المرحلة، ايجاد صيغة جدية مع مصرف لبنان المركزي لمعالجة موضوع المواد الخام للصناعة الوطنية من خلال تأسيس صندوق بإدارة ​المصرف المركزي​ وتعيين مسؤول ليتمّ تأسيس الصندوق خلال شهر، على ان يكون مموّلاً من مصارف التنمية الاقتصادية الاوروبية والصناديق العربية وتأمين رأسمال تشغيلي لشراء المواد الأولية للصناعة حصراً على أن لا تتعدى الفائدة السنوية 3%.

إزالة كافة العراقيل على التصدير عبر اجراء محادثات لتسهيل عبور المصدّرين اللبنانيين الى سوريا العراق و​الاردن​، كما الغاء كل الرسوم على التصدير وخلق خط Fast Track لمعاملات التصدير ومنع «الحلوينات» والرشاوى كلياً وتسهيل التصدير في هذه المرحلة واعفاء الصادرات 100% من ضريبة الدخل وليس 50% وغيرها من الاجراءات الضرورية لتسهيل التصدير.

مراقبة السياسات المصرفية في هذه المرحلة المصيرية. فمثلاً تمّ خفض الفوائد على الايداعات المصرفية الى 5% ونصف الفائدة يُدفع ب​الليرة اللبنانية​. من جهة اخرى، لم يتم خفض الفوائد على الحسابات المدينة واذا استمرت على ما هي عليه ستؤدي حتماً الى إقفال عدد من الشركات.

صرخة الصناعة نهار الثلثاء هي صرخة من يصرّ على الانتاج في أقسى الظروف ومن يرفض ايقاف عجلة الانتاج، هي صرخة العمال المهددين بوظائفهم وصحتهم وتعويضاتهم، خصوصاً ان الدولة لا تدفع اشتراكاتها للضمان وهي مكسورة للضمان بمليارين و200 مليون دولار، واذا تمّ احتساب الغرامات قد يصل المبلغ الى اكثر من 4 مليارات دولار، هي صرخة للتذكير بأنّ خلاص البلد يبقى في دعم انتاجه، وإنّ حبّ الصناعة لا يكون بالشعارات بل بالتنفيذ والخطط اللازمة، في هذه المرحلة على الصناعة اللبنانية ان تشارك في كلّ معرض دولي، وأن يُقدّم لها الدعم لتكون حاضرة في كلّ المحافل الدولية، على الصناعي ان يتعلم المنافسة في الاسواق الدولية.

خلال الازمات قامت مصر وتركيا وسوريا بتخصيص الصناعة بدعم كامل لإدراكها أهمية الانتاج المحلي والمحافظة على الصادرات والأهم المحافظة على الوظائف، نتمنى أن يكون لصرخة الصناعة صدى، وألّا تذهب أدراج الرياح لأنّ الوصول الى الخط الاحمر بات أقرب مما نتصور.