أمس، وُجّهت الدعوات للمتظاهرين والمحتجين للمشاركة بما سُمِّي بـ"سبت الغضب" في ​وسط بيروت​، وتم التحضير لمسيرات شعبية تنطلق من مناطق مختلفة في بيروت باتجاه الوسط، و​المجلس النيابي​، وفي نفس الوقت قامت القوى الأمنية، من فرقة مكافحة شغب، وجيش لبناني، باتخاذ الإجراءات الأمنية بمحيط المجلس تحسبا لأي طارىء، فما الذي حصل في بيروت اليوم؟

بعد الظهر بدأت تجمعات اللبنانيين في بيروت، مسيرة ستنطلق من البربير، أخرى من الاشرفية، وغيرها من الدورة، وكلها ستكون وجهتها الأخيرة وسط العاصمة بمحيط المجلس النيابي. في مقلب آخر وتحديدا عند الساعة الواحدة ظهرا تقريبا إنطلقت باصات من شمال لبنان محمّلة بالمتظاهرين الراغبين بالمشاركة بالتظاهرة أمام مجلس النواب، إضافة الى سيارات تقل من يريد، وهؤلاء وصلوا عند الساعة 3 والنصف امام الحاجز المؤدي الى باحة المجلس النيابي بالشارع الذي يصل الى ساحة رياض الصلح.

ومن خلال متابعة الأحداث على الهواء مباشرة، بالصوت والصورة، والصوت هنا سيكون مهما لتحديد هوية مفتعلي أحداث الشغب، تبيّن أن اولى شرارات العنف عند النقطة التي ذكرناها سابقا انطلقت عند الساعة الرابعة الا عشر دقائق، حيث عمد المحتجون الى مهاجمة القوى الأمنية التي تقف خلف السياج الشائك، مستعملين كل ما وقعت عليه أياديهم، من حجارة ضخمة، ولوحات اعلانية حديدية اقتلعوها من الأرض، وأغصان أشجار كسروها، ومفرقعات نارية، الأمر الذي كان مفاجئا للجميع حتى لمراسلي المحطات التفلزيونية ووسائل الاعلام الذين كانوا يتواجدون في المكان بلا "أجهزة الحماية" التي يستعملونها عادة، وكانوا بانتظار المسيرات المتوجهة الى وسط بيروت.

نعم بدأ العنف قبل أن تصل مسيرات الحراك والمتظاهرين الى الوسط، فمسيرة البربير مثلا والتي تضم القوى الشيوعية واليسارية، وصلت عند الساعة 4 الى منطقة البسطا التحتا، ووصلت الى وسط بيروت بعدها بحوالي ثلث ساعة، أما المسيرة التي انطلقت من الدورة تحت شعار "لن ندفع الثمن" وصلت الى برج حمود عند الساعة 3:45 دقيقة، وكان عليها المرور الى مؤسسة كهرباء لبنان ومنها الى ساحة النجمة.

هذه كلها وقائع تؤكد أن مفتعلي الشغب هم من القادمين من شمال لبنان، والذي كانوا أوائل الواصلين الى ساحة النجمة، والذين لم يخفوا هويتهم لا بالشكل ولا باللهجة ولا بالشعارات، الامر الذي يطرح الأسئلة حول الأهداف والمبررات، علما أن هذه هي المرة الثانية التي تشتعل فيه ساحة الشهداء ومحيطها بنار القادمين من الشمال.

بعد اندلاع موجة العنف الاولى وما تبعها من ردّات فعل، وتوسع رقعة "المعارك"، اختلفت الصورة، فوصلت المسيرات التي تضم شباب اليسار، ومارسوا هوايتهم المفضلة بوجه المصارف، فاحرقوا بنك البحر المتوسط، ومن ثم جمعية المصارف. كما شاركت مجموعات اخرى بالمعارك على ​القوى الامنية​.

لم يسلم من العنف البشر والحجر، لا بل هناك من تعرض لجرحى القوى الامن الداخلي في المستشفيات التي نُقلوا إليها، ولكن ماذا عن دور القوى الأمنية؟.

مع انطلاق الأحداث، أطلقت مديرية قوى الأمن الداخلي موقفا على وسائل التواصل تطلب فيه من المتظاهرين السلميين مغادرة المنطقة حفاظا على سلامتهم، فظنّ المتابع ان قرارا بفرض الأمن قد اتخذ والمطلوب عدم التعرض للسلميين. لم يحصل شيئا. بعدها بساعة ونيّف أُطلق التحذير الثاني المماثل، وأيضا كانت النتيجة نفسها، المزيد من الكرّ والفرّ وارتفاع عدد الجرحى والمزيد من التدمير والتخريب.

بعد 4 ساعات ونصف تقريبا على بداية العنف أعلنت وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن رفضها الاعتداء على قوى الامن الداخلي، وبعدها بدقائق ظهر ​الجيش اللبناني​ عند مرفأ بيروت، وتمكّن مع الامن الداخلي خلال وقت قصير جدا من إعادة الهدوء الى وسط بيروت، ليتبين أن الأمر كله بحاجة الى "قرار"، وهذا القرار الذي يُعيد الهدوء، ويمنع سقوط 160 جريحا، وأكثر، ويمنع من تدمير الممتلكات الخاصة والعامة، كان يُمكن أن يُتخذ منذ انطلاق موجة العنف هذه، الامر الذي يطرح تساؤلات عدة عن سبب تأخره من وزيرة الداخلية، ومن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.

تعب اللبنانيون من أهل السلطة، ومن اهل "الثورة" على السواء، فأهل السلطة يستغلون اللبنانيين لضرب "الثورة"، وبعض أهل "الثورة" يستغلون اللبنانيين لضرب السلطة، وأهل السلطة يستغلون بعضهم البعض لضرب اللبنانيين المستَغَلين من قبل بعض وجوه "الثورة" الطامحة والطامعة لامتطاء مراكز السلطة، وبظل هذه المعمعة، التي تزيد من تعاسة اللبناني، هناك من يستغل الفقير في الشمال فيدفع له ما لا يزيد عن 50 الف ليرة لبنانية ووجبة غداء عبارة عن "سندويش" يتيم، لافتعال العنف والشغب.