صنّفت ​بريطانيا​ رسميًا "​حزب الله​" بجناحيه السياسي والعسكري مُنظّمة إرهابيّة، لتُصبح بذلك الدولة الأوروبيّة الثانية بعد ​هولندا​ ضُمن ​الإتحاد الأوروبي​ التي تصنّف "حزب الله" بكامل كياناته إرهابيًا، باعتبار أنّ الإتحاد الأوروبي يصنّف الجناح العسكري للحزب إرهابيًا فقط، وليس الجناح السياسي. فما هي خلفيّات هذا القرار، وما هي تداعياته على "الحزب"؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ القرار البريطاني يعني خُضوع "حزب الله" لقواعد تجميد أصول المُنظمات الإرهابيّة الصادر في بريطانيا في العام 2010، علمًا أنّ قيام أي شخص أو مؤسّسة أو شركة، إلخ. بعدم الإمتثال لهذا التشريع، أو بالتحايل على أحكامه، يُعتبر جريمة جنائيّة في بريطانيا. ويُمكن القول إنّ القرار البريطاني يُمثل كسبًا إضافيًا لإدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ التي تسعى لزيادة الضُغوط السياسيّة ولتشديد العُقوبات الإقتصاديّة والماليّة على ​إيران​، وعلى كل المُنظّمات المُرتبطة بها. ويُلاقي القرار البريطاني أيضًا قرارات شبيهة طالت الجناح العسكري للحزب، من قبل السُلطات البُلغاريّة والكنديّة واليابانيّة والأستراليّة والألمانية، إلخ. علمًا أنّ واشنطن تحثّ كل دول الإتحاد الأوروبي على تضييق الخناق على الجناحين السياسي والعسكري للحزب.

وبحسب العديد من الخُبراء الغربيّين المُتخصّصين بشؤون ​الشرق الأوسط​، إنّ القرار البريطاني بحقّ الجناحين السياسي والعسكري في "حزب الله"، سيفتح الباب أمام مزيد من القرارات الأوروبيّة المُشابهة، في ظلّ الضُغوط المُستمرّة من جانب ​الولايات المتحدة​ لوقف الإستثناء السابق الذي كان يحصر الإدانة بالجناح الأمني للحزب. ورأى هؤلاء أنّ سبب الغضب الأوروبي المُتصاعد على "حزب الله" لا يقتصر على الإستجابة لرغبة واشنطن فحسب، بل يتعدّى ذلك ليشمل مُلاحظة أجهزة الإستخبارات الأوروبيّة إرتفاعًا كبيرًا في أنشطة "الحزب" على أراضيها، لجهة تجنيد أوروبيّين من أصل لبناني لجمع المعلومات الإستخباريّة، باعتبار أنّ هؤلاء قادرون على التنقل في أوروبا بحريّة ومن دون إثارة الشُبهات، وعلى الدُخول إلى الولايات المتحدة الأميركيّة بسُهولة أيضًا، وكذلك لجهة جمع التبرعات لتمويل أنشطة "الحزب" الأمنيّة في الشرق الأوسط. وتخشى الدول الأوروبية تمكّن "حزب الله" من خرق أمن دولها، كما حصل في ​بلغاريا​(1)، أو في قبرص(2)، وهي تخشى أيضًا من تعرّض مواطنيها ومؤسّساتها للعُقوبات الأميركيّة، الأمر الذي يدفعها أكثر فأكثر إلى التشدّد في مواقفها إزاء "الحزب". وتضغط واشنطن بكامل ثقلها لتأمين أوسع إدانة دَوليّة مُمكنة يُمكن أن تطال "حزب الله"، بتهم مختلفة تشمل تجارة المُخدرات، وغسل الأموال، والقيام بأنشطة إستخباريّة مثل الإستطلاع والمُراقبة، وبأنشطة أمنيّة مثل تجنيد المُقاتلين والتدريب على إستخدام السلاح وتخبئة المُتفجرات(3)، إلخ. والضُغوط القاسية التي يتعرّض لها "حزب الله" لا تقتصر على أميركا والدول الأوروبيّة، بل تشمل دولاً عدّة أخرى، منها مثلاً ​الأرجنتين​ التي قرّرت في تموز 2019 تجميد أصول "حزب الله"(4)، إضافة إلى دول عربيّة عدّة(5).

في الختام، صحيح أنّ "حزب الله" ينفي كل هذه الإتهامات ويُدرجها في سياق الحملات المشبوهة عليه، وعلى محور "المقاومة والمُمانعة" ككل، وصحيح أنّه دائمًا ما يُردّد أنّه صامد بوجه كل العُقوبات السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة، لكنّ الأصحّ أنّ "الحزب" بات يُواجه ضُغوطًا دَوليّة غير مسبوقة، أضعفت قُدراته المالية وحركته اللوجستيّة بشكل كبير، وأثّرت على الكثير من رجال الأعمال وحتى الأشخاص العاديّين الذين يديرون في فلكه أو ينتمون إلى بيئته الحاضنة، والأصحّ أنّ هذه العُقوبات إرتدّت بشكل سلبيّ إضافي على الواقعين الإقتصادي والمالي المأزومين في لبنان. ومن شأن القرار البريطاني والذي يُلاقي ضُغوطًا دوليّة مُتصاعدة ضُدّ "حزب الله"، أن يدفع هذا الأخير إلى التعويل أكثر فأكثر على المُساعدات العينيّة الإيرانيّة للإستمرار والصُمود، وعلى السعي بجهد أكبر للتفلّت من هذه العُقوبات والضُغوط عبر الإنخراط أكثر فأكثر في التركيبة السياسيّة والإجتماعيّة اللبنانيّة الداخليّة.

(1) في تمّوز من العام 2012 تعرّضت حافلة سياحيّة في بلغاريا لهُجوم أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليّين والسائق البلغاري وعن جرح أكثر من 30 آخرين، وقد إتهمت بلغاريا اللبناني-الفرنسي محمد حسن الحسيني بتنفيذ الهُجوم، واللبناني-الأسترالي ميلاد فرح واللبناني-الكندي حسن الحاج حسن، بمُساعدته.

(2) في العام 2013، دان القضاء القبرصي مواطنًا سويديًا من أصل لبناني يُدعى حسام يعقوب، بتهمة مراقبة تحرّكات السوّاح الإسرائيليّين في الجزيرة، تمهيدًا لشنّ هجمات ضدّهم في قبرص، وقال القضاء القبرصي إن هذا الشخص إعترف بأنه عُضو في "حزب الله".

(3) بحسب تقرير لجهاز الإستخبارات البريطاني، تمّ إكتشاف ما مجموعه ثلاثة أطنان من نترات الأمونيوم الذي هو مركّب كيميائي يُستخدم في صناعة القنابل المحليّة الصنع، في مخابئ في بريطانيا وقبرص ودول أوروبيّة أخرى، وزعم نسب ملكيّتها لأشخاص ناشطين في "حزب الله".

(4) "الحزب" مُتّهم من قبل السُلطات الأرجنتينيّة بمُهاجمة السفارة الإسرائيليّة في بوينس أيرس في العام 1992 ما أوقع 29 قتيلاً، وبتفجير مركز الجالية اليهوديّة في المدينة نفسها في العام 1994، ما أوقع 85 قتيلاً، ومن بين أبرز المطلوبين في هذا السياق، اللبناني سلمان رؤوف سلمان.

(5) في الثاني من آذار 2016 صنّفت دُول ​مجلس التعاون الخليجي​ "حزب الله" مُنظّمة إرهابيّة، بخلفيّة إعتبارها مُمارسة الحزب الإقليميّة "تهديدًا للأمن القومي العربي".