لم تنجح قوى الثامن من آذار في تجاوز الأزمة التي وقعت فيها على المستوى الحكومي، بعد أن أدى ​الحراك الشعبي​ إلى إسقاط حكومة تصريف الأعمال برئاسة ​سعد الحريري​. هي سعت في البداية إلى إعادة إنتاج حكومة جديدة برئاسة الحريري، الذي لا تزال حتى الآن تفضّله على رئيس الحكومة المكلف ​حسان دياب​، لكنها سلمت، قبل ساعات من الإستشارات النيابيّة الملزمة في القصر الجمهوري، بضرورة الذهاب إلى اسم آخر، نتيجة موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال، الناتج عن مواقف بعض الأفرقاء المحليّين والخارجيّين.

منذ ذلك الوقت، عملت هذه القوى على التسويق لنظرية حكومة التكنوقراط، التي رفع شعارها دياب منذ اللحظة الأولى لتكليفه، لكن مسار التأليف أوحى بأنها ليست إلا حكومة سياسية بشكل آخر، بدليل الصراع على الحقائب والحصص بين أركان الفريق الواحد، الذي لا يزال حتى الساعة يحول دون ولادة الحكومة المقبلة، ما يدفع إلى السؤال عمّا إذا كانت فرصة للحل أم مشكلة إضافية ستتفجر مباشرة بعد الإعلان عنها؟.

من حيث المبدأ، بات من الواضح أن قوى الرابع عشر من آذار ستتعامل مع هذه الحكومة على أساس أنها حكومة الفريق الواحد، بدليل المواقف التي يعبر عنها أركان هذه القوى، بالرغم من الخلافات الواضحة في ما بينهم، من "تيار المستقبل" إلى "الحزب التقدمي الإشتراكي" وصولاً إلى حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب"، التي وصلت إلى حدّ وصفها بحكومة "فلول النظام السوري"؛ الأمر الذي وجد كل أسبابه الموجبة في الذهنيّة التي تدار فيها عمليّة التأليف من قبل قيادات قوى الثامن من آذار و"​التيار الوطني الحر​".

بالتزامن، أظهرت الأيّام الماضية أنّ الفرصة التي كان من الممكن أن تحصل عليها حكومة دياب من قبل بعض المجموعات في الحراك الشعبي لم تعد موجودة، بدليل أن الإعتراض على طريقة تشكيلها بات هو عنوان التحرّكات في الشارع، وهو ما يعود أيضاً إلى الذهنيّة نفسها التي تتعامل بها قوى الثامن من آذار، لا سيّما أن العقدة الأخيرة أكدت أنها لا تخرج عن إطار ​المحاصصة​ السياسية أولاً وأخيراً، بينما تلك المجموعات كانت تراهن على الخروج عن هذه العقلية في عمليّة التشكيل، وهنا تتحمل هذه القوى المسؤوليّة عن المسار الذي سلكه التأليف.

بناء على ما تقدّم، يبدو أنّ الحكومة المقبلة، التي كان من المفترض أن تبدأ منذ اليوم الأول لولادتها بالحدّ من تداعيات الأزمات الماليّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة القائمة، ستواجه موجة واسعة من الإعتراضات الشعبيّة المدعومة سياسياً من القوى التي انتقلت إلى صفوف المعارضة في حال ولادتها، وبالتالي لن تكون مهمّتها سهلة على الإطلاق، خصوصاً أنّها قد تتحوّل إلى مشكلة بحدّ ذاتها، ما يفتح الباب للتصويب عليها بشكل مباشر، تمهيداً نحو دفعها إلى الإستقالة والعودة إلى مسار التكليف والتأليف من جديد، مع ما يحمله من عقبات ستكون أبرزها الشخصيّة التي سيتمّ تكليفها في مقابل دفع الفريق الآخر نحو الذهاب إلى إنتخابات نيابيّة مبكرة؛ وهو ما بات يعبّر عنه بشكل واضح.

إنطلاقاً من ذلك، قد يكون على قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" إعادة النظر في طريقتها بالتعامل مع الأزمة، وربّما من الأفضل كان ترك رئيس الحكومة المكلّف يشكّل الحكومة التي يريدها مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، لا سيما أنها تملك الأكثريّة اللازمة لإسقاطها متى تريد في المجلس النّيابي، في حال وجدت أنها لا تعمل بالشكل المطلوب، نظراً إلى أنّ السلطة اليوم هي بمثابة كرة النّار التي تلقّفتها من دون أن يكون لديها الخطّة اللازمة للتعامل معها، بل على العكس من ذلك أظهرت عجزاً غير مسبوق.

في المحصّلة، لم تنجح القوى التي تشكّل الأكثريّة النّيابية في التعامل مع الأزمة بالشكل المطلوب، الأمر الذي يُفسر إنتقال الأزمة إلى الشقّ الأمني بعد المواجهات التي شهدها وسط بيروت في الأيام الماضية، ما يدفع بالكثيرين إلى تحميلها المسؤوليّة المباشرة عمّا يحصل.