لفت مرجع مسؤول في حديث إلى صحيفة "الجمهورية" إلى أنّه "لا يصلح في ال​سياسة​ أن يُقارَب أي وضع بلحظته. فما حدث ليل السابع عشر من تشرين الأول، لم يكن إلّا لحظة مفصليّة في التناقضات الداخليّة ال​لبنان​يّة، والتناقضات الخارجيّة المتمحورة حولها والمتماهية معها، إلى حدٍّ يجعل من الغباء السياسي القول إنّ ما يُحدث "صُنع في لبنان".

وجزم أنّ "الفوضى الخلّاقة" لم تبدأ في 17 تشرين الأول. بل ثمة مسار طويل أسّس لها منذ أشهر، يوم صُمّت آذان الطبقة الحاكمة عن الأصوات الصارخة في البرّية اللبنانيّة، الّتي حذّرت من السيناريو الأسود الّذي يعيشه لبنان اليوم"، مركّزًا على أنّ "ذلك قد بدا واضحًا بعدما تخطّى لبنان "المحظورات"، وذهب في مساره النفطي، من حيث لا يدري، إلى مسار يناقض تمامًا الترتيبات الأميركيّة".

وأوضح المرجع المسؤول أنّ "ذلك تبدّى بشكل خاص في موضعين: الموضع الأول، تمثّل في السبب المباشر الّذي فتح "صندوق باندورا" الأميركي، هو توجيه لبنان نفطه شرقًا، ولو جزئياً، نحو ​روسيا​، بعد فوز "نوفاتيك" بحصّة ضمن "كونسورتيوم" يضمّها وشركتي "​توتال​" و"أني" في دورة التراخيص الأولى، وبعدها تلزيم "روس - نفط" منشآت التخزين في ​طرابلس​". ولاحظ أنّ "منذ ذلك الحين، بدأ التصعيد بشكل ملفت للانتباه من ناحية التوقيت. فذهب الأميركيون بعيدًا في وضع "العقدة في المنشار" بما يتّصل ب​ترسيم الحدود​ البحرية مع ​إسرائيل​، وتحوّلت صواريخ "​حزب الله​" الدقيقة إلى ذريعة إضافية لفرض مزيد من العقوبات على المقاومة، وبطبيعة الحال على ​الاقتصاد اللبناني​، وهي بلغت نقطة التصعيد القصوى بإدراج "مصرف جمال" على قائمة العقوبات، في خطوة شكّلت المرحلة الأولى من عمليّة ضرب ​القطاع المصرفي​، العمود الفقري للاقتصاد اللبناني الخدماتي".

وبيّن أنّ "الموضع الثاني، حدث قبل ذلك بكثير، حين أفضت المعادلة السياسيّة- الطائفيّة إلى جعل قطاع ​النفط والغاز​ على صورة النظام المحاصصاتي. وهنا بيت القصيد. ف​الثروة النفطية​، بحسب الرؤية الأميركية، كانت ستتوزّع بشكل أو بآخر طائفيًّا، أيّ إنّ حصّة منها ستؤول إلى "بيئة حاضنة" سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا لـ"حزب الله"، ما يعني بعبارة أُخرى أنّ كلّ ما راكمته الإدارات الأميركيّة المتعاقبة من إجراءات لتجفيف المنابع الماليّة للحزب، قد يذهب أدراج الرياح".

وعبّر عن خشية وقلق من أن "يكون بعض الخارج مقتنعًا بأنّ ​النظام اللبناني​ بصيغته الراهنة لم يعد ممكنًا أن يستمر، وأنّ ثمة حاجة لتأسيس نظام جديد. ولكن أي نظام؟ وكيف سيتمّ الوصول اليه؟ وعلى أي ركام وانقاض وأطلال سيقوم؟ وما هي كلفته؟ ومن سيدفعها؟ وقبل ذلك، هل ثمة في الداخل من هو مستعد لتقبّل هذا الأمر الّذي يحوّل لبنان من جمهورية إلى جمهوريات، حتّى ولو كان كافرًا بنظام الطائف ومقتنعًا بأنّ المنظومة الّتي أنتجها "​اتفاق الطائف​" قد اهترأت؟".

كما أشار المرجع إلى أنّ "طروحات من هذا القبيل قد تكون الملاذ الأخير، لمن يسعى في الداخل أو الخارج، إلى إعادة تأسيس المنظومة الحاكمة، طالما أنّ ثمة أفكارًا يمكن فرضها لتحقيق الأهداف الاستراتيجيّة الكبرى -والمقصود الأهداف الخارجيّة- من قبيل إعادة تأسيس المنظومة الاقتصادية، حصرًا، وعمادها الأساسي القطاع المصرفي، المشرّع اليوم على احتمالات شتّى... ولكنّ ذلك، وفق منطق العلاقة الجدليّة بين الاقتصاد والسياسة، سيقود حكمًا إلى إعادة تشكيل المنظومة السياسية بشكل أو بآخر". ونوّه إلى أنّ "لعلّ النظر إلى الوضع الراهن في لبنان من هذه الزاوية بالذات، يفسّر الكثير في حالة العبث واللامنطق التي باتت السمة الأساسية في لعبة السياسة ولعبة الشارع على حد سواء".

وشدّد على "أنّني أحاول أن أبحث عن السبب الّذي دفع ويدفع البعض في الشارع إلى اللعب بالنار. فهذه اللعبة قد تطال عنصر الاستقرار الامني، الّذي ما زال متماسكًا حتّى الآن بأعجوبة، وعندما يمسّ هذا الاستقرار فذلك سيقود إلى فوضى قد يسمّونها "خلاّقة"، وقد يعتبرها البعض المفتاح لأي تغيير جذري في بنية النظام. وثمة تجارب سابقة أثبتت ذلك، سواء تلك التجارب الأقرب إلينا كمصر و​سوريا​ و​العراق​، ـو البعيدة عنا مثل ​أوكرانيا​ و​جورجيا​ و​فنزويلا​ وغيرها".

وعمّا إذا ثمة مخرج يقي لبنان هذه السيناريوهات، أكّد أنّ "هامش المناورة يضيق، وحتّى مع ​الحكومة​ الجديدة. فسقف التوقعات بشأن فِرَص نجاحها يبقى موضع شك. وهذا ما أوحى به مسبقًا، الصراع على الحصص ضمن "اللون الواحد"، الّذي يُخشى مع استمرار عقلية الصراع هذه، أن يجعل من الحكومة الجديدة نسخة عن سابقتها في ما يتّصل بآليّات اتخاذ القرار، علاوة على التحدّيات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة غير المسبوقة الّتي سيكون كل منها لغمًا متفجّرًا في طريقها. وهذا أيضًا ما يوحي به انفلات الشارع نحو الخيارات العنفية الأكثر تطرّفًا، كتلك الّتي هزّت البلاد في نهاية الأسبوع الماضي".

إلى ذلك، رأى المرجع أنّه "يبقى أضعف الإيمان أن تُعطى هذه الحكومة فرصة، طالما أنّها باتت القشّة الأخيرة الّتي يمكن التمسّك بها، أملًا بالوصول إلى شاطئ أمان ابتعد كثيرًا عن مرمى النظر".