من المُتوقّع أن تنجح القوى السياسيّة التي ساهمت في ​تشكيل الحكومة​ الجديدة برئاسة حسّان دياب، في إنجاز ​البيان الوزاري​ بشكل سريع، وفي نيل ثقة أغلبيّة عدديّة داخل ​مجلس النواب​، على الرغم من الإعتراضات والإحتجاجات التي يُنتظر حُصولها. لكنّ السؤال الكبير الذي يفرض نفسه، هو: هل ستتمكّن حُكومة الدُكتور دياب من تجاوز المَطبّات والعقبات الكثيرة الّتي في انتظارها، والأهمّ ما يُحضّر لإفشالها؟.

التحدّي الأوّل الذي على الحكومة الجديدة مُواجهته يتمثّل في التمكّن من سحب الناس من الشارع، لأنّ التظاهرات والإعتصامات لم تعد مكانًا للأغاني والتسلية-وهو ما كان أصلاً محلّ إنتقاد من قبل الرافضين والهازئين من "​الثورة​"، حيث تحوّلت التحرّكات الشعبيّة إلى أعمال شغب وتكسير للمُمتلكات العامة والخاصة بوتيرة مُتصاعدة وخطيرة. ومن شأن إستمرار الإحتجاجات والإعتراضات الشعبيّة، وأعمال ​قطع الطرقات​ المُتفرّقة، أن يقطع الطريق سلفًا على أيّ مُحاولة لإستعادة الثقة، ولإعادة تحريك الدورة الإقتصاديّة المُتوقّفة كليًا، ولإعادة جذب السوّاح إلى لبنان. وإذا كان صحيحًا أنّ عددًا من المُندسين دخلوا على خطّ التحرّكات الشعبيّة، وأنّ أجهزة إستخباريّة لا بُدّ وأنّها تعمل على هذا الخطّ أيضًا، فإنّ الأصحّ أنّ الكثير من المُواطنين اللبنانيّين الذين فقدوا أعمالهم وصاروا تحت خطّ الفقر، لم يعد يملكون ما يخسرونه، وهم سيُواصلون إعتراضاتهم في المُستقبل، تحت عناوين ومطالب مُختلفة، منها إستقالة حُكومة دياب، وإجراء إنتخابات نيابية باكرة، وتوفير فرص عمل، وخفض الأسعار، وتأمين حياة كريمة، إلخ. وهذه المُعضلة لن تُحلّ سوى بإعادة توفير الأعمال لأكبر عدد مُمكن من العاطلين عن العمل حاليًا، وهي مُهمّة فائقة الأهميّة يجب أن تكون على رأس أولويّات الحُكومة.

التحدّي الثاني الذي على الحُكومة الجديدة مُواجهته يتمثّل في تجاوز المُعارضة السياسيّة الداخليّة التي تنتظرها، حيث أنّ أيّ قرار سيتخذه مجلس الوزراء، يُمكن أن يُواجه بإعتراض من قبل عدد كبير من نوّاب المُعارضة. وهنا لا بُدّ من التذكير أنّ كلاً من "تيّار المُستقبل" وحزبيّ "​القوات اللبنانية​" و"​التقدمي الإشتراكي​" صاروا حُكمًا خارج السُلطة التنفيذيّة، ولكل منهم أهدافه وأجندته لإفشال الحُكومة. فالتيّار الأزرق لم ولن يهضم إخراجه من الحُكم، بعد أن كان يتوقّع أن يكون رئيس "المُستقبل" ​سعد الحريري​، شريكًا أساسيًا فيه وبالتالي رئيسًا لكل حكومات عهد الرئيس العماد ​ميشال عون​، و"القوّات" لن يتساهلوا بدورهم مع إبعادهم عن السُلطة أيضًا بعد أن كانوا يتوقّعون أن يكونوا الشريك المسيحي الفاعل في الحُكم بموازاة حُضور "التيّار الوطني الحُرّ". وإذا كان صحيحًا أنّ "الإشتراكي" سيكون الأكثر تمايزًا في مُستوى إعتراضاته بين هذه القوى الثلاث، فإنّ الأصحّ أنّ له الكثير من المآخذ عمّا حصل أيضًا، ومُستوى مُعارضته سيرتفع وينخفض تبعًا لحجم التهديد الذي ستتعرّض له زعامته في "الجبل". ولا شكّ أنّه مع سُقوط تفاهمات "التسوية الرئاسيّة"، وفي ظلّ وُجود أكثر من طرف يعمل على إفشال عهد العماد عون، وحتى على إفشال حكومة الدُكتور دياب، لن تكون مهمّة الحكومة الجديدة سهلة على الإطلاق في إدارة الدولة.

التحدّي الثالث الذي على الحكومة الجديدة مُواجهته يتمثّل في سعي بعض الدول العربيّة والغربيّة لحجب الأموال عن لبنان. فمن المعروف أنّه في الظُروف الحالية لا قُدرة للحكومة على القيام بأيّ مشروع على الإطلاق، لأنّ الموارد معدومة، وإستحقاقات الدُيون المُتراكمة كبيرة جدًا، ومهما جرى إعتماد إجراءات تقشّف وإصلاح قاسية، فإنّ عدم حُصول لبنان على قُروض وعلى مُساعدات مالية عاجلة، يعني أنّ الأمور ستتجه من السيّء حاليًا، إلى الأسوأ في المُستقبل. وبالتالي، التعويل كبير أن ينجح رئيس الحُكومة ​حسان دياب​ في جولته العربيّة المُنتظرة قريبًا، في الحُصول على دعم مالي، والآمال كبيرة أيضًا بأن تتمكّن الدبلوماسيّة اللبنانيّة من فصل العُقوبات الأميركيّة التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركيّة على "​حزب الله​"، عن الدعم الخارجي غير العربي المَطلوب بسرعة للدولة اللبنانيّة، لا سيّما دعم الدول الأوروبيّة والغربيّة عمومًا. وحُصول هذا الدعم بشقّيه العربي والغربي، يستوجب إسقاط مقولة "حكومة اللون الواحد" من الأذهان، ويستوجب أيضًا عدم مُعاكسة مصالح الدول العربيّة والغربيّة التي يُنتظر أن تمدّ يد المُساعدة للبنان، بأي قرارات أو مواقف سياسيّة مُستفزّة.

التحدّي الرابع الذي على الحُكومة الجديدة مُواجهته يتمثّل في تمكّنها من تأمين التفاهم والإنسجام بين مُكوّناتها، والعمل كفريق واحد مُتكامل، بعيدًا عن المُناكفات السياسيّة التي كانت تحصل في السابق، علمًا أنّ العقبة الأبرز في هذا السياق، ستكون بخلفيّة الطموح الرئاسي لكل من رئيس "التيار الوطني الحُرّ" الوزير السابق ​جبران باسيل​، ورئيس "تيّار ​المردة​" الوزير السابق سليمان فرنجيّة، إضافة إلى خلفيّة سعي العهد الرئاسي و"التيّار" إلى الإمساك بالقرار، في مُقابل سعي مُقابل من جانب رئيس مجلس النواب ​نبيه برّي​ للإحتفاظ بكلمته المُسموعة على مُستوى الحُكم ككل. كما أنّ الأنظار ستكون مَشدودة إلى كيفيّة تعاطي رئيس الحكومة نفسه مع مُختلف الملفّات، وما إذا سيتمكّن من تأمين الحد الأدنى من الإستقلاليّة عن القوى التي سمّته والتي ستُعطي حُكومته الثقة، وما إذا كان سيتمكّن من تحييد إرتدادات أدوار "حزب الله" الإقليميّة، عن لبنان. وعلى خط مُواز، إنّ الأغلبيّة الساحقة من الوجوه الحُكومية، تفتقر إلى الخبرة في العمل الوزاري، ما يعني الحاجة إلى الوقت للتأقلم مع المهمّات الصعبة المُلقاة على عاتقهم.

في الختام، طريق الحكومة الجديدة ليس مَفروشًا بالورود، والمُشكلة أنّ المطلوب كثير، في حين أنّ المُمكن تحقيقه مَحدود جدًا من دون مُساعدة خارجيّة عاجلة. والمُشكلة الأكبر أنّ تحقيق الإنجازات يتطلّب وقتًا، في حين أنّ جهات عدّة ترفض منح الحكومة "فترة سماح"، وأنّ قُدرة الكثير من اللبنانيّين على الصُمود لم تعد تتعدّى الأشهر القليلة، وربّما الأسابيع القليلة لبعضهم!.