حتى الساعة، لا يملك أغلب المتابعين قراءة كاملة حول الحكومة الجديدة برئاسة ​حسان دياب​، لا سيما أن البلاد تمر بأصعب مرحلة سياسية واقتصادية في تاريخها، البعض يصفها بالمرحلة الإنتقالية التي لا يمكن تصور الشكل الذي تنتهي فيه، لا سيما أن المنطقة برمتها في طور إعادة التكوين، وبالتالي كل القراءات قد تحمل جزءاً من الحقيقة وآخر من المبالغة.

ضمن هذا السياق، من الضروري العودة إلى بعض العناوين التي طرحت خلال مرحلة ​تأليف الحكومة​، من وصفها بـ"حكومة ​جبران باسيل​" إلى "حكومة ​حزب الله​" إلى "حكومة ​جميل السيد​" وصولاً إلى حكومة التسوية بين الإيرانيين والأميركيين، على قاعدة وجود بعض الأسماء فيها التي لا يمكن أن تكون في الموقع المعادي لواشنطن، أو وضعها في سياق تحدي ​الولايات المتحدة​ على الساحة اللبنانية.

هذه العناوين الأربعة لا يمكن إبعادها لدى البحث في المشهد الحكومي، لا سيما أن المؤلّفين سعوا إلى إخراج تشكيلة لا تكون مستفزّة، سواء للداخل اللبناني أو للمجتمعين العربي والدولي، لناحية إبعاد الشخصيات التي تصنف كذلك حول طاولة مجلس الوزراء، بغض النظر عن لعبة المحاصصة التي دخلت على الخط بشكل فاضح في الساعات الأخيرة للولادة الحكوميّة، في المقابل عمد "حزب الله" إلى التأكيد بأنه ليس اللاعب الأساسي، خصوصاً بعد أن قرّر الخروج من المشهد نتيجة الخلافات بين حلفائه، ما قادهم إلى تقديم التنازلات التي أدّت إلى ولادتها، في مشهد يوحي بأنّ الحزب أراد أن يؤكّد مرّة جديدة أنّ هذه الحكومة ليست حكومته.

إنطلاقاً ممّا تقدم، يمكن أن القوى الداعمة لحكومة دياب تريدها "حكومة هدنة"، ما يتطلب الإنتظار بعض الوقت لمعرفة كيفيّة تعامل المجتمعين الغربي والعربي معها، بعد أن كان رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ أعلن أن الثقة العربية والغربية أهم من ثقة النواب، ما يُفسّر وجود بعض الوزراء الذين يمكن تصنيفهم بأنهم مفاتيح في العلاقة مع الغرب، من دون تجاهل الخلفيّة التي تمّ إختيار رئيس الحكومة على أساسها، والتي لا يمكن أن تصنّف على أساس أنّها حكومة صدام مع واشنطن.

بالإضافة إلى الموقفين العربي والغربي، الأساس الثاني الذي يمكن البناء عليه هو موقف الشارع، أيّ كيفية تعامل الحكومة مع الحركات الإحتجاجيّة وكيفيّة تعامل المعارضين معها، وهنا قد يكون الأبرز موقف الشارع السنّي، الذي بات خزّان التحرّكات الشعبيّة ذات الطابع العنفي إلى حدّ بعيد، إلا أنّ اللافت هو غياب أي مشروع سياسي واضح في هذا الشارع في ظلّ تراجع رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​، الذي تعرّض إلى أكثر من طعنة من حلفائه المحليين والخارجيين.

في هذا الإطار، تتحدّث بعض الأوساط عن صراع بين مشروعين على الساحة السنّية يمثلان المحورين الإقليميين فيها: الإماراتي-السعودي والتركي-القطري، لكن من الناحية العمليّة لا يمكن أن يخرج أيّ مشروع منهما عن العنوان العام في لبنان، أيّ عدم وجود مكوّن سنّي فاعل في السلطة التنفيذيّة، في مرحلة تصنّف على أساس أنّها مرحلة إعادة ترتيب النظام السياسي اللبناني، بعد أن تعرضت المنظومة المالية والإقتصادية ل​إتفاق الطائف​ لضربة قاسية، من دون أن يعني ذلك إسقاطها، نظراً إلى أنّ مواقف أغلب الوزراء الحاليين المعنيين تؤكد عدم الرغبة في الخروج عن إطارها العام.

في ظلّ هذه الوقائع، لا يمكن تجاهل أن البلاد ستكون بعد عامين مع إستحقاقات إنتخابيّة مفصليّة، هي الإنتخابات الرئاسيّة والنّيابية والبلديّة، بينما العالم على موعد مع الإنتخابات الرئاسية الأميركيّة في شهر تشرين الثاني من العام الجاري، والكثيرون يراهنون على هذه الإنتخابات لمعرفة المسار الذي ستسلكه العلاقات الأميركية-الإيرانية، في وقت لا يزال مشروع "​صفقة القرن​" وإعادة ترتيب خرائط ​الشرق الأوسط​ هو الحاضر الأبرز، ما يعني أن الإنتظار هو سيد الموقف في ظل ساحة تتبدل فيها المعطيات بين لحظة وأخرى.

في المحصّلة، الوصف الدقيق للحكومة اليوم أنّها "حكومة الهدنة" أكثر مما هي "حكومة المواجهة"، هذا في الصورة العامّة، لكن هذا المشهد قد يتبدّل في أيّ لحظة، نتيجة العديد من العوامل، تبدأ من شوارع بغداد ولا تنتهي في شوارع بيروت، بل تشمل أيضاً ما يُحضر لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، في سياق صراع الخرائط وأنابيب الغاز.