مرّة جديدة يعود الشارع السنّي إلى الواجهة، من بوابة خروج رئيس ال​حكومة​ السابق ​سعد الحريري​ من ​السلطة​، لكن من دون أن يظهر أي مشروع مناهض، لا سيما أن رئيس الحكومة الحالي ​حسان دياب​ لا يشكل رافعة لأيّ مشروع سياسي آخر، فهو قادم من خلفيّة أكاديميّة لتقديم تجربة موقّتة، قد تنجح أو تفشل، والحكم عليه في هذه المرحلة قد يكون صعباً، نظراً إلى أنّ الظروف قد لا تكون مساعدة لبروزها بالشكل المطلوب.

في العام 2011، خرج الحريري من السلطة، نتيجة الإنقلاب عليه من قوى الثامن من آذار و​التيار الوطني الحر​، لكن حينها الظروف لم تكن مشابهة، كما أنّ البديل رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ كان يملك أرضيّة شعبيّة، ولو كانت مناطقيّة، يمكن الإستناد إليها، رغم أنها لا يمكن أن تشكّل منافساً حقيقياً لتيار "المستقبل"، فلا ميقاتي أظهر، في أيّ يوم من الأيام، أنّه يريد ذلك، ولا الظروف الإقليميّة حينها كانت تسمح له بهذا الامر.

في المرحلة الراهنة هناك شبه إجماع على معادلة جوهرية، عنوانها خروج المكوّن السني من السلطة التنفيذيّة، لكن في المقابل هناك حقيقة لا يمكن إنكارها هي عدم وجود أيّ مشروع سياسي جديد جدّي على هذه الساحة، حيث يعتبر جمهورها أنه بات مهمشاً بعد أن كان الرقم الصعب في المرحلة التي تلت إتّفاق ​الطائف​، نتيجة الصلاحيّات التي حصل عليها والدعم الإقليمي والدولي الذي كان يحظى به رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، وهو ما يُفسّر موقف الحريري الابن من التحرّكات الشعبيّة، التي يأتي معظمها من المناطق المحسوبة عليه خارج ​مدينة بيروت​.

أمام هذا الواقع، هناك الكثير من الأسئلة التي تُطرح نفسها بقوة، أبرزها يتعلق بإمكانيّة تكرار الحريري تجربة والده عندما خرج من السلطة في العام 1998، نتيجة الخلاف مع الرئيس الأسبق أميل لحود، ليعود بعد الإنتخابات النيابيّة في العام 2000 أقوى من السابق، خصوصاً أنّه يملك القدرة على ذلك من موقعه المعارض، لكن في المقابل عليه أن يتصالح مع جمهوره، الذي لم يكن راضياً عن خياراته السياسية، لا سيّما التسوية الرئاسيّة مع "التيار الوطني الحر".

بالإضافة إلى ذلك، يستند الحريري على معادلة جوهريّة تتمثل بالظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، والقادرة على إحراق الحكومة الحاليّة في حال لم تتمكن تجاوزها بالشكل المطلوب أو على الأقل الحدّ من تداعيتها، وهو ما يبرّر موقفه الواضح بأنّ خروجه من السلطة سيجعل الآخرين يعرفون قيمته جيداً، لكن التحدّي الأبرز الّذي سيواجهه يتعلق بإمكانيّة نجاح حكومة دياب في إنجاز المهمة المطلوبة منها.

منذ ما قبل الإستشارات النّيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، كانت قد بعض المؤشرات الدوليّة قد وصلت، بأنّ المساعدات غير مرتبطة بشخصيّة رئيس الحكومة، في حين أنّ الحريري كان قد تلقّى إشارات سلبيّة من حلفائه، تمثلت بالتخلي الواضح عنه أو عدم الإستعداد لدعمه، ما يُفسّر عودته إلى إعلان عدم رغبته بترؤس الحكومة، الأمر الذي تُرجم بقرار حزب "القوات اللبنانيّة" عدم التصويت له.

إنطلاقاً ممّا تتقدّم، يمكن القول إن الشارع السني يعيش مرحلة اللامشروع مقابل تراجع المشروع الذي يمثله الحريري، لأسباب داخليّة وخارجيّة، وبالتالي هو أمام سيناريوهات مفتوحة، يراهن رئيس الحكومة السابق في بعضها على فشل الآخرين للعودة بقوة، بينما من الممكن أن يولد مشروع جديد لم تظهر معالمه بعد، لا سيما إذا ما حظي بالدعم اللازم لبروزه، إلا أن ذلك يتطلب مراقبة المرحلة المقبلة، نظراً إلى أنّ أيّ تحوّل يرتبط بالتحولات السياسية التي قد تشهدها البلاد بشكل عام.