من المُنتظر أن يُجري الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ مُحادثات بالغة الأهميّة في واشنطن خلال الساعات القليلة المُقبلة، مع كلّ من رئيس الحُكومة ال​إسرائيل​ي ​بنيامين نتانياهو​، ومع مُنافسه الرئيس في الإنتخابات الإسرائيليّة المُبكرة الثالثة من نوعها في أقلّ من سنة(1)، رئيس تحالف "أزرق أبيض" ​بيني غانتس​. وتأتي هذه المُحادثات عشيّة إعلان الإدارة الأميركيّة تفاصيل ما بات يُعرف بإسم "​صفقة القرن​"، وهو عبارة عن حلّ للقضيّة الإسرائيليّة–الفلسطينيّة، تسعى واشنطن لفرضه في المنطقة. فما هي أبرز الخُطوط العريضة لهذا الإتفاق، وكيف سيتعاطى كلّ من الإسرائيليّين والفلسطينيّين والدول العربيّة والعالميّة معه؟.

بالنسبة إلى أبرز بنود "صفقة القرن" التي عملت الإدارة الأميركيّة الحاليّة على تحضيرها منذ العام 2017 حتى اليوم، فهي تنصّ على إقامة دولة فلسطينيّة لكن بطابع أقرب إلى أن يكون رمزيًا منه إلى طابع دولة مُستقلّة وتتمتّع بسيادة كاملة، وذلك في مُقابل الإعتراف بحقّ إسرائيل بالسيادة الكاملة على مدينة القُدس (مع الإحتفاظ بتمثيل فلسطيني رمزي في المدينة القديمة) وعلى مُختلف المُستعمرات في الضفّة الغربيّة، وكذلك على رفض منح اللاجئين الفلسطينيّين حقّ العودة إلى أرضهم. وفي حين سيتمّ الإعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة، لقطع الطريق على التغيير الديمغرافي المُتدرّج بسبب تكاثر ما يُعرف بإسم "عرب إسرائيل"، إضافة إلى منح السُلطات الإسرائيليّة السيطرة الأمنيّة على "وادي الأردن" وعلى ما لا يقلّ عن 30 % من مساحة الضفّة الغربيّة، سيتمّ إشتراط سحب أيّ سلاح من قطاع غزّة، وتخلّي حركة "حماس" عن ذراعها العسكري، للقُبول بإقامة دولة فلسطينيّة. وبمُوازاة هذه الشروط التعجيزيّة بالنسبة إلى الفلسطينيّين، ستُحاول الإدارة الأميركيّة تعويضالفلسطينيّين، من خلال مجموعة من المُساعدات المالية الدَوليّة الضخمة،والتي من شأنها إقامة بنية تحتيّة عصريّة، ورفع مُستوى معيشة الشعب الفلسطيني(2). يُذكر أنّ جزءًا من أموال الخطة مُخصّص لكل من "دول الجوار"، أي الأردن ومصر ولبنان، بهدف حلّ مُشكلة اللاجئين لديهم–بحسب وجهة النظر الأميركيّة، وعمليًا بهدف تمويل بقاء اللاجئين في الدول التي تستضيفهم، وفتح الباب لإقامة جزء من الفلسطينيّين في منطقة سيناء في مصر.

إشارة إلى أنّ الإعتراضات على الخطة الأميركيّة التي أعدّها فريق عمل بقيادة مُستشار الرئيس الأميركي، وصهره،جاريد كوشنير، وأشرف على تفاصيلها مُباشرة ​السفير الأميركي​ في إسرائيل ديفيد فريدمان، واسعة جدًا، ليس من قبل الجانب الفلسطيني بمُختلف تيّاراته السياسيّة، ومن قبل محور "المُقاومة والمُمانعة" فحسب، بل أيضًا من الداخل الأميركي! وعلى سبيل المثال، رأى المَبعوث الأميركي السابق إلى ​الشرق الأوسط​، دنيس روس"، أنّ "صفقة القرن" لا تمّت بصلة إلى "إتفاق سلام"، في حين أجمع العديد من الخبراء بشؤون الشرق الأوسط، على أنّ توقيت تحريك الخطة الأميركيّة يهدف إلى تحويل الأنظار مُجدّدًا عن مساعي عزل الرئيس الأميركي دومالد ترامب، وإلى مُحاولة إستمالة اللوبي اليهودي في ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، والناخبين الإنجيليّين، مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة المُقرّرة في تشرين الثاني 2020. ومن بين أهداف تحريك "صفقة القرن" في هذا التوقيت، مُحاولة تعويم نتانياهو الذي يُواجه صُعوبات سياسيّة داخليّة، والذي يتعرّض أيضًا إلى مُحاولة للعزل عن طريق رفع دعاوى فساد بوجهه.

بالنسبة إلى مواقف الدول الغربيّة من "صفقة القرن" فهي حذرة جدًا، وتنتظر إنقشاع الرؤية إزاء بُنودها، في حين تتخذ بعض الدول مواقف سلبيّة مُسبقة منها، لإعتبارات سياسية ومصلحيّة لها، على غرار روسيا التي أعلن رئيسها ​فلاديمير بوتين​ مواقف سلبيّة من الخطة. أمّا الدول العربيّة، فهي رافضة نظريًا ومن حيث الشكل لأي حلّ للنزاع الفلسطيني–الإسرائيلي لا يستند إلى القرارات الدَوليّة، لكنّها في موقف حرج من حيث المَضمون، نتيجة الضُغوط التي تتعرّض لها من قبل الإدارة الأميركيّة التي تسعى تحت الطاولة لمُبادلة دعمها الحالي للدول العربيّة بوجه مشاريع إيران التوسّعية في المنطقة، بطلب المُوافقة على "صفقة السلام"، وبتأمين الدعم المالي لها، ولوّ أنّ الشارع العربي عُمومًا يرفض الخطة، وقد ينزل إلى الشوارع في بعض الدول للإعتراض عليها.

إسرائيليًا، بُنود "صفقة القرن" هي محلّ مُزايدات بين المسؤولين الإسرائيليّين، لإظهار حرصهم على أمن إسرائيل، علمًا أنّ أغلبيّة القوى الإسرائيليّة مُؤيّدة بالإجمال للخطة. في المُقابل، السُلطة الفلسطينيّة مُحرجة جدًا من محُاولة الإدارة الأميركيّة فرض خطة لا تأخذ المصالح الفلسطينيّة في الإعتبار، لكنّها عاجزة عن المُواجهة، بسبب الضُغوط السياسيّة والماليّة التي تتعرّض لها، بحيث أنّها تبدو حاليًا بموقع المُتفرّج العاجز عن الإعتراض بغير المواقف الإعلاميّة. بالإنتقال إلى حركة "حماس" فهي ترفض كليًا "صفقة القرن" وتعتبرها إستهدافًا للوجود الفلسطيني، وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ "حماس" ومُختلف الحركات الفلسطينيّة المُصنّفة "جهاديّة"، تستعد لما يُمكن أن يكون مرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بمُختلف الوسائل المُتاحة، من خلال العمل على إفشال هذه الخطة. لكنّ المُواجهة الفعليّة لخطة ترامب للشرق الأوسط، ستأتي على الأرجح من المحور الذي تقوده إيران في المنطقة، خاصة وأنّ الكباش بين طهران وواشنطن هو على أشدّه في المرحلة الحاليّة.

في الخُلاصة، مرحلة جديدة من التوتّر في إنتظار الشرق الأوسط، نتيجة قرار الرئيس الأميركي بتحريك "صفقة القرن" بعد أكثر من تأجيل خلال العامين الماضيّين. فهل ستقتصر الإعتراضات على المواقف السياسيّة، أمّا أنّ مُواجهة أمنيّة فلسطينيّة–إسرائيليّة قد تكون على الأبواب لإسقاط الصفقة؟!.

(1) ستجري هذه الإنتخابات في آذار المُقبل، وذلك بعد فشل الكتل الإنتخابيّة التي كانت قد فازت في إنتخابات نيسان 2019، ثم في إنتخابات أيلول 2019، في التوافق على حكومة تحظى بثقة الكنيست.

(2) تسعى الإدارة الأميركيّة إلى تأمين تمويل إستثماري عربي–دولي للخطة، لا يقلّ عن 50 مليار دولار أميركي على مدى 10 سنوات، وهي تضغط على بعض الدول الخليجيّة لتأمين القُسم الأكبر من هذا الرقم، مُستغلّة الخلافات العربيّة–الإيرانيّة.