منذ اللحظة الأولى لولادة حكومة ​حسان دياب​، بدأ أغلب الوزراء "يستجدون" المواطنين الحصول على فرصة قبل الحكم عليهم، لا سيما أن البلاد تعيش منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي ظروفاً لم تعرفها سابقاً، نتيجة ​الحراك الشعبي​ الذي فتح باب المحاسبة على مصراعيه، بالرغم من أنه لم ينجح في بلورة نفسه بشكل منظم حتى الآن.

في الوقت الراهن، لا تزال المواقف من ​الحكومة الجديدة​ متضاربة، بين من يرغب في منحها الفرصة ومن يرفض ذلك، لكن الأكيد أن أحداً في لبنان لا يفكر في منحها الثقة قبل أن يرى أفعالها، باستثناء ثقة ​المجلس النيابي​، التي من المفترض أن تحصل عليها قبل مباشرتها العمل بشكل فعلي.

في هذا السياق، بات من المؤكد أن الحكومة ستنجح في الحصول على الثقة البرلمانية، نظراً إلى أن الأغلبية النيابية التي سمت حسان دياب ل​رئاسة الحكومة​ لن تتردد في ذلك، لا سيما أن أغلب القوى السياسية التي تتشكل منها حاضرة على طاولة ​مجلس الوزراء​، باستثناء "الحزب السوري القومي الإجتماعي" الذي إختار البقاء خارجها بسبب عدم تمثيله عبر نقيبة المحامين السابقة أمل حداد، في حين أن تلك التي قررت الذهاب إلى المعارضة ستسعى بكل جهدها للتصويب على أي خطأ قد يقع فيه أي وزير.

من حيث المبدأ، المواطنون اللبنانيون هم المستفيد الأول من هذا الواقع الجديد، نظراً إلى ان التوافق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، في الفترة السابقة، كان يحول دون وجود معارضة برلمانية فاعلة تتولى الرقابة على أداء الوزراء بشكل منفرد أو على مجلس الوزراء مجتمعاً، ما دفع بعضهم إلى رفض الحضور إلى إجتماعات بعض ​اللجان النيابية​، في حين ذهب بعضهم الآخر إلى تحدي السلطة القضائية، فهم كانوا يدركون أن التوافق السياسي سيحول دون محاسبة لهم، خوفاً من سقوط "التسوية" التي جمعت القوى التي يمثلونها.

الواقع السابق، لم يعد من الممكن أن يتكرر اليوم، فأي وزير يدرك أنه سيكون في أي تصرف أمام سيف المعارضة السياسية والشعبية، في ظل إستمرار التحركات في الشارع، التي قد يكون من الأفضل أن تستمر لتبقى أداة ضغط يدرك الوزراء من خلالها أنهم تحت المجهر، بالتزامن مع سعي الحكومة للحصول على الثقة الخارجية، نظراً إلى أنها لن تكون قادرة على الإستمرار من دونها، إلا أن هذه الأخيرة مرتبطة بالثقة الشعبية التي ستنطلق من أفعال الوزراء لا أقوالهم، الأمر الذي يفرض عليهم التقليل من الكلام والإنكباب على العمل المجدي، في ظل تفاقم الأزمات التي تعصف بالبلاد.

في الوقت الراهن، يتوقع الكثيرون أن يؤدي نجاح الوزراء الإختصاصيين إلى تكرار هذه التجربة في الحكومات المقبلة، لكن الأهم أن تتكرر تجربة الصيغة التي تقوم عليها حكومة دياب الحالية، أي وجود فريق سياسي يتحمل المسؤولية مقابل آخر يعارض، بعيداً عن معادلة حكومات الوحدة الوطنية، التي تعطل الرقابة البرلمانية والشعبية، الأمر الذي يمكن أن يسجل على أساس أنه أحد أبرز إنجازات الحراك الشعبي.

في المحصلة، هو مشهد لم يعتد اللبنانيون رؤيته سابقاً، نظراً إلى أن ما كان يهم الوزراء هو إرضاء الجهات السياسية التي سمّتهم للبقاء في مناصبهم، في حين أن تلك الجهات اليوم تدفع بالشخصيات التي إختارتها إلى إثبات جدراتها أمام المواطنين أولاً، لأنها لن تكون قادراً على تغطية أيّ تجاوز أو مخالفة.