لفت رئيس حكومة سابق، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "استجابة ​لبنان​ لدفتر الشروط الّذي أعدّه "​مؤتمر سيدر​" لمساعدته على النهوض من أزماته الاقتصاديّة والماليّة لوقف مسلسل الانهيارات الّتي يتخبّط فيها، لا تقتصر على تحقيق الإصلاحات الإداريّة والسياسيّة المتمثلة في ​مكافحة الفساد​ ووقف هدر المال العام؛ وإنّما تشمل التصدّي للفساد السياسي الّذي كان وراء تعطيل العمل الحكومي وإقحامه في تجاذبات لا مبرّر لها أدّت إلى التقليل من إنتاجيته وتأخير الحلول للمشكلات الّتي بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة".

وسأل عن "أسباب التباطؤ المدروس الّذي حال دون الإسراع في تحقيق الإصلاحات رغم إلحاح ​فرنسا​ الراعية لـ"مؤتمر سيدر" على ضرورة وضعها قيد التنفيذ الفوري"، موضحًا أنّ "باريس تقدّر الجهود الّتي بذلها رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ لتحييد هذه الإصلاحات عن التجاذبات السياسيّة، وأبدت تفهُّماً لموقفه؛ وإلّا لمّا وافقت على تمديد فترات السماح للإبقاء على ما تقرّر في "سيدر" قائمًا باعتبار أنّ ما تَقرّر فيه هو بمثابة الممر الإلزامي للبنان للنهوض على مراحل من أزماته".

وركّز رئس الحكومة السابق على أنّ "لا قيمة لهذه الإصلاحات ما لم تكن مقرونة بإعطاء الأولوية لإصلاح ​قطاع الكهرباء​ وإعادة تأهيله، بدءًا بإنتاج المعامل لتوليد الطاقة شرطًا للاستغناء عن الحلول الموقتة المحصورة في استئجار البواخر التركية لتأمين بعض النقص في ​التيار الكهربائي​، مع أنّ مثل هذه الحلول باتت تُرهق خزينة الدولة في عجز إضافي يقدّر سنويًّا بنحو ملياري دولار". وَعَدّ أنّ "المسؤوليّة في عدم تأمين حلول دائمة لإنتاج الطاقة تقع على عاتق "​التيار الوطني الحر​"، الّذي تسلّم حقيبتها منذ أكثر من 11 عامًا وبات يتعامل معها كأنّها وكالة حصريّة باسمه لا يقبل التنازل عنها".

وذكر أنّ "القوى السياسيّة الّتي شاركت في الحكومات السابقة كانت على حقّ في تسجيل اعتراضاتها وتحفّظاتها على الخطط الموضوعة من قبل رئيس "التيار الوطني" النائب ​جبران باسيل​، والّتي تبنّاها بالنيابة عنه جميع الوزراء الّذين تعاقبوا على تسلُّم حقيبة الطاقة". ورأى أنّ "التيار الوطني" أعطى الأولويّة للحلول الموقتة ولم يلتفت إلى الحلول الدائمة، أي البديلة، إلّا على الورق".

كما أكّد أنّه "كان يتوجّب على الحريري التدخّل في الوقت المناسب لتحرير قطاع الكهرباء من استئجار البواخر، خصوصًا أنّه استدرك أخيرًا ما ترتّب من عجز مالي إضافي على خزينة الدولة بسبب مراعاته لحليفه باسيل، قبل أن تلقى التسوية السياسية الّتي أبرمها مع العماد ​ميشال عون​ وأدّت إلى انتخابه رئيسًا للجمهورية حتفها، أسوة بالمصير الّذي حلّ باتفاق "إعلان النيات" الّذي أبرمه الأخير مع رئيس "حزب القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​".

وأشار رئيس الحكومة السابق إلى أنّ "الرئيس عون كان وراء إفراغ التسوية من جهة و"إعلان النيات" من جهة ثانية من مضامينهما السياسيّة، وأخذ منهما ما يلبّي طموحاته الّتي أوصلته إلى سدّة الرئاسة، وإلّا فلماذا أقحم نفسه في مجموعة من الاشتباكات السياسيّة الّتي تجاوزت الحريري وجعجع، إلى رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​، وأيضًا "​حزب الكتائب اللبنانية​" وصولًا إلى "​تيار المردة​" برئاسة ​سليمان فرنجية​، الّذي يتمثّل حاليًّا في حكومة رئيس الوزراء ​حسان دياب​ من موقع الاختلاف مع عون ومن خلاله باسيل".

إلى ذلك، سأل عن "كيف يتباهى رئيس الجمهورية في كلّ مناسبة باستضافة لبنان إنشاء "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار"، في الوقت الّذي يتعطّل فيه الحوار الداخلي، من دون أن يبادر إلى تبديد الأجواء، الّذي من شأنه أن يعيد التواصل بين ​بعبدا​ والمكوّنات السياسيّة الفاعلة، بدلًا من أن يقتصر تواصل عون على "​الثنائي الشيعي​" بقوتَيه "​حركة أمل​" و"​حزب الله​"، مع أنّ الأخير يشكّل إحراجًا له؛ وهو يعرف قبل غيره أنّ المطلوب منه دوليًّا وإقليميًّا أن يسعى لدى الحزب لإقناعه بأن يعيد النظر في ​ترسيم الحدود​ السياسيّة لدوره محليًّا وخارجيًّا".

وكشف عن أنّ "​المجتمع الدولي​ لا يترقّب مضامين ​البيان الوزاري​ لحكومة دياب فحسب، وإنّما يتريّث في إصدار موقفه النهائي من حكومة "اللون الواحد" إلى حين التأكّد من مدى استعداد "حزب الله" لإعادة النظر في سلوكه على المستويَين الداخلي والخارجي، إضافةً إلى تأكّد المجتمع الدولي من أنّ الحزب لا يطغى على الحكومة بالتضامن مع باسيل". وركّز على أنّ "بكلام آخر، لا صحّة لما يردّده بعض من يشكّلون رأس حربة في الدفاع عن حكومة "اللون الواحد" لجهة أنّها موعودة بدعم دولي بلا شروط، بذريعة أنّ أكثر من 10 وزراء فيها يحملون الجنسية الأميركية وأنّ الآخرين فيها على تواصل مع جهات خليجيّة".

كذلك، أفاد رئيس الحكومة الحكومة السابق بأنّ "لا صحّة لما يشاع على هذا الصعيد"، مشدّدًا على أنّ "لا مفاعيل سياسيّة أو ماديّة للترويج لمثل هذه الأقاويل الّتي ما هي إلّا مسكّنات إعلامية ورغبات لا تُصرف في مكان"، مؤكّدًا أنّ "المطلوب من هذه الحكومة جملة من القرارات والمواقف، أبرزها مبادرة "حزب الله" إلى تغيير سلوكه وتليين موقفه، وقد يلجأ إلى ذلك لعلّه يفتح بعض النوافذ أمام الحكومة للحصول على مساعدات".