اعتبر رئيس ​القوات​ ​سمير جعجع​ انه بانتفاضة 17 تشرين استعاد ال​لبنان​يون، حيويتهم، اثبتوا وعيهم وخروجهم من الشرانق الطائفية، وكانوا على قلب واحد وكلمة واحدة، هي المطالبة بالحقوق، واحترام كرامتهم بدلاً من نسفها على مذابح المساومات، تحت شعارات واعتبارات خاوية، لم تغنيهم ولم تسمنهم، بل ساهمت في افقارهم وانهيار اقتصادهم.

ورأى في حديث صحفي، ان ما تأسس في 17 تشرين، وما تلاها هو تحرير السياسية من قبضة السياسيين، فلم يعد من مايسترو يظن نفسه قادراً على تحريك الناس وادارتهم، خرج ​اللبنانيون​ من مشارب وآراء مختلفة، يطالبون بأبسط حقوقهم. وهذه حركة لن تكون محصورة في تاريخها، ولا في تشكيل حكومة من هنا او حسابات انتخابية من هناك، انما ستؤسس لتغيير جذري، ومخطئ من يعتقد انها ستتراجع الى الوراء، حتى ولو انخفض منسوب زخمها من وقت إلى آخر.

ولفت الى ان ​الانتفاضة​ تمكنت من تحقيق اهداف كثيرة، لم يكن هدفها حصراً اسقاط ​الحكومة​، وليست كما حاول البعض تصويرها بأنها تستهدف شخص رئيس الحكومة، بل تستهدف المنظومة برمتها والقوات كانت من ضمنها لكنها سارعت لقراءة الوقائع والحقائق والمزاج الشعبي، فانسجمت مع خيارات الناس. اسقاط الحكومة اسقط المنظومة التي تعود الحصة الاكبر فيها للتيار الوطني الحر وبعده ​الثنائي الشيعي​، وفي المرتبة الثالثة ​تيار المستقبل​ الذي كان اكبر المتضررين من هذه التركيبة وآلية تسيير الأمور فيها.

ورفض جعجع الاتهامات التي تطاول القوات، بأنها كانت تدعم ​الثورة​ لمواجهة ​حكومة الحريري​، كما رفض التصنيفات المذهبية والطائفية، واكد: ان "اللعبة خرجت من هذا المنطق، وأبرز الردود هو التلاحم بين ابناء ​طرابلس​ وابناء ​جل الديب​ والزوق، عندما ناصروا بعضهم البعض في لحظات الاستفراد بهم، والمشهد الابلغ هو في صراخ طرابلس للنبطية و​الهرمل​، ونزول اهل ​تعلبايا​ وسعد نايل الى ​بيروت​ دفاعاً عن الانتفاضة، واهدافها. وهذا الشعب اصبح اوعى من اغراقه في حسابات ​الطوائف​ والمناطق".

وعن الموافقة على اسقاط رئيس الحكومة مقابل عدم اسقاط ​رئيس الجمهورية​، اجاب جعجع ان "المعادلة غير مطروحة بهذا الشكل، الحكومة هي اساس ​السلطة​، واسقاطها لا يستهدف شخص الرئيس بل القوى المهيمنة عليها، وارادت اتخاذها كمتراس وغطاء لمشاريعها. وهو ليس متمسكاً بهذا العهد، لكن الأهم ما الذي سيأتي بعد هذا العهد، ولا يغادر فلان كي يأتي من يمثله او ينوب عنه أو مثله. لذلك كان الطرح الاساسي هو حكومة اختصاصيين مستقلين".

واعتبر جعجع انه تم اللعب على شكل الحكومة كما وجرى تلغيمها بوزراء معينين من جهات مختلفة، فقدمت وكأنها ​حكومة تكنوقراط​ ولكن تبقى العبرة في التنفيذ. ورأى انه كان بإمكان الحكومة اظهار استقلاليتها او جديتها بالعمل، من خلال تعاطيها مع مشروع ​الموازنة​، لكنها لم تفعل، وهذا ما اصابها بمقتل، خصوصاً بعد مشهد ​جلسة مجلس النواب​ لإقرار الموازنة، وتبنى فيه ​حسان دياب​ موازنة الحكومة السابقة التي أسقطت بسبب هذه الموازنة، وكأن لا احد قد تعلّم، وليس هناك من يريد اثبات جدية في التعاطي مع الملفات الملحة والداهمة. واعتبر انه "كان بالامكان العمل على اعداد ​البيان الوزاري​ لتحصل الحكومة على الثقة، وتسترد الموازنة وتجري تعديلات جذرية عليها، وبعدها يتم اقرارها، ولكن ما جرى لا يبشر بالخير لكننا سننتظر لنرى".

في تقييمه للموقف الدولي من هذه الحكومة، اعتبر انه قد تعطى فترة سماح لمدة شهر، وكيف ستتعاطى، ولكن لا احد سيقدم ​مساعدات​ للبنان بدون مقابل، والمقابل الاول في ذلك، هو الاهتمام باللبنانيين، وكف بعض الاطراف لشرورهم عن الدول الأخرى، وعدم اقحام لبنان بالصراعات الاقليمية. واشار الى ان القوات تجري عملية مراجعة ونقد لكل المرحلة السابقة، وهي في طور التحضير للمزيد من المشاريع للمرحلة المقبلة، ولفت الى انه "لم يكن لدينا خيارات افضل مما قمنا به، وعندما حاولنا القيام بالمزيد ولم نتمكن استقلنا، والمرحلة ليست لاحتساب المكاسب والخسائر على الصعيد السياسي والشعبي، التحدي الأول هو انقاذ ​الدولة​ والاقتصاد من الانهيار والسقوط."

وشدد رئيس القوات على انه لم تنته الانتفاضة، فيها كل اللبنانيين من كل الفئات، وهي ستجدد نفسها بنفسها، موضحا انه لم يكن هناك اي قرار لدى القوات للمشاركة بالتحركات، الناس انفجرت وتحركت بمفردها، ومسألة ​قطع الطرقات​ كانت خياراً اساسياً للمتظاهرين، تمكنوا من خلاله من اسقاط الحكومة، وعندما وجدوا انه لن يحقق المزيد وقد يحقق صدامات مع مواطنين آخرين، وسينعكس سلباً عليهم تراجعوا عنهواكد ان موقف ​الجيش اللبناني​ ممتاز، وهذا موقفه التاريخي، في هكذا احداث كان يقف الى جانب الناس، ويحمي المصالح العامة والخاصة، لأن الجيش في لبنان ليس قمعياً.

اضاف "لا اخاف على لبنان من السقوط، يعتبر انه قادر على حماية نفسه بتحركات اللبنانيين، الذين يثبتون في كل محطة توقهم الى الدولة الوطنية، خارج الارتباط بالاشخاص او الطوائف، ومن كان يظن أن بإمكانه أخذ اللبنانيين رهائن في مشروعه، الاقليمي او الشخصي، وجد نفسه مخطئاً، لأن ​المجتمع اللبناني​ غير قابل للأسر، ومن كان يستعجل معارك رئاسية قبل اوانها، اصطدم بحيوية اللبنانيين، الذين يريدون انقاذ الجمهورية، بدلاً من السكوت عن استخدامهم في معارك وطموحات رئاسيّة".

وتابع قائلا "ما قبل ١٧ تشرين ليس كما بعده، وعلى كل الافرقاء التفكير ملياً وجدياً بما فرضته هذه التحولات لتغيير اداءهم وآلية عملهم، والأهم التلاحم الوطني بين اللبنانيين يفرض على الاحزاب التوجه نحو تبني مشاريع وطنية لا طائفية، وتسقط ما يسمى بالحسابات الاسلامية او ​المسيحية​، مشدداً على أن هذا هدف اساسي تضعه القوات نصب أعينها، وتتطلع الى الذهاب نحو مشروع لا طائفي، يتكامل فيه ​المسلمون​ و​المسيحيون​ على اساس المواطنة. وذلك لمواجهة اي مشاريع تؤدي الى الشرذمة والتفريق، او تعزز ​العنصرية​، التي لا بد لها ان تسقط، وما سيسقطها هو "​صفقة القرن​" التي تولد ميتة لأنها تعارض التاريخ، ولا يمكن للبنانيين معارضة التاريخ، ولا المستقبل، ومنطق صراع الاكثريات والاقليات سقط بعد ان اثبت فشله".